أنا متوقف عن الإرسال في مجال الفن والفنانين عند محطة أحمد المصطفى وحسن عطية وعثمان حسين وجيلهم.. والكابلي ووردي ومحمد ميرغني ومن نحا نحوهم.. كما انني كنت مواصلاً مع جيل حقيبة الفن من الشعراء.. قدمت عنهم وبرفقتهم سبع حلقات تلفزيونية ضمن خمسة عشر شاعراً بصحبة بعض الفنانين.. واشتركت ايضاً بحلقات اذاعية منذ المبارك إبراهيم.. فقد كان الجيلان مرتبطين عندي برابط واحد هو التجديد في كل شيء.. الكلمات.. الأ لحان.. الآداء.. وشخصيات وسلوك والشعراء الذي أدى إلى نعت الفنان ب«الأستاذ» ورغم ان بعض الفنانين كانوا معلمين بالمدارس إلا ان الناس لم يعرفوهم إلا بعد أن صاروا فنانين.. واكتسبوا لقب أستاذ مع بقية الفنانين مما رسخ في أذهانهم جميعاً انهم أساتذة بالفن.. وأهل رسالة تربوية لا نحو التلاميذ فقط.. بل نحو كل فئات الجماهير. ووضعهم في قوالب معينة وتحدد سلوكياتهم.. ومظهرهم وضربهم المثل الأعلى.. والقدوة الحسنة.. وحتى المادحون للنبي الكريم كانوا يلبسون الجلاليب والعمم والشالات.. ويتحلون بالوقار، أما اليوم فإن فرق الغناء وفرق المديح لا تلتزم.. وتساوت في اتخاذ أزياء ملونة ومزركشة وبراقة.. وبعض فرق المديح يكون زيها عراقي وصديري وسروال بينما تكون الرأس كاشفة.. ويتثنى المادح كأنه يرقص وتشعر انه حاس بشبابه ووسامته.. مستعرضاً خفة دمه وجاذبيته خصوصاً في حضرة الجنس الآخر.. ومصاحبة الألآت الموسيقية، في مناسبات أعراس و«سمايات» شهدتهم.. ودائماً ما أسرح بخاطري وأسبح مع «مداح الطار» فأرى صورة مادح أهلنا الأحمدية ببربر عمنا الطيب جيب الله.. وهو يؤدي مدائح المصطفى ويعيش كلماتها.. ويسبح مع معانيها.. ومواقفها فيطرب في موضع الفخر بالرسول الكريم.. ومواقف الشجاعة والوفاء والصدق والتضحية عند صحابته الكرام.. ويهزأ من مواقف كفار قريش ويسخر من عنجهيتهم وكبريائهم وما آلوا إليه من الصغار والهزائم والذل فتمتليء نفسك عزة وكرامة، وتراق كلمات الشوق الى النبي الكريم.. فتجري الدموع من عينيك شوقاً وحباً.. وحنيناً. اما الفنانون «الشباب» كما يسمون أنفسهم فإني لا أعرف عنهم كثير شيء ورغم صلاتي بكثير من شعراء الأغنية ولكني لم أسمع.. ولم أعرف أغنية واحدة لواحد منهم.. وربما يكون العيب في ذوقي فأنا «دقة قديمة».. وقد شاءت الظروف أن أحضر بعض حفلاتهم في بعض الصالات مجاملاً أو مجيباً دعوة أصحاب المناسبة، ولكنني لم أسمع كلمة واحدة من غنائهم.. رغم انني والحمد لله عادي السمع.. وذلك نسبة للصخب والذي يصاحب الاداء.. وينبعث من خلال أجهزة «الساوند» التي تصم اذنك.. اذ أن الكلمات لا يعبأ بها احد بل ما يهم هو الموسيقى الداوية التي تعين على الرقص أما ثقافة الاستماع.. وهدوء الموسيقى لنتبين الكلمات المصاحبة فلا مكان لها عند القوم وأعجب احياناً عندما أشاهد بعض الشباب والشابات يحركون شفاههم وهم يتابعون الأغنية مما يعني أنهم يتماشون مع الكلمات وعليه فأنا خارج الشبكة رغم اني كتبت كثيراً من القصائد الغنائية، وحتى الشبابية المحافظة ولكنها حبيسة الأضابير.. كما يقولون.. وذلك لأسباب كثيرة ومختلفة!! ربما أكتب عنها في وقت لاحق.وكنا ونحن صغار نسمع قصصاً وحكايات وروايات عن المادحين وبعض «الكرامات» التي تنزل عليهم جزءً لهم على تفانيهم واحتفالهم بحب الرسول الكريم ومدحه واكثارهم من الصلاة عليه في مدائحهم ونسمع ايضاً بعض الطرائق التي تُنسب إليهم. كما ذكرت سابقاً أنا لا أعرف شيئاً عن الفنانين الشباب وبالتالي ما كنت أعرف عن الفنان محمود عبد العزيز الا ما أقرأه على الصفحات الفنية والإخبارية وأحلف بالله صادقاً لا أعرف عنواناً حتى لأغنية واحدة من أغانيه، بل لم استمع الى أغنية له طيلة حياته لأسباب احتفظ بها.. ولست وحيداً في هذا فقد علمت من عزيز لدَّي ان سائقه كان مغرماً بالحوت.. وانه يجد في درج سيارته أشرطة مسجله له فيأخذها ويلقي بها خارج السيارة.. حتى منع السائق من جلب أشرطة له.. هذا العزيز لقد تغير رأيه في الحوت بعد وفاته لانه سمع عنه ما لم يسمعه في حياته.. أما أنا فقد اندهشت لهذا الزخم الذي صاحب وفاته.. من قبل الشبان والشابات.. ومن قبل الحكومة على اعلى المستويات وقد فسرت موقفها بأنه استقطاب للشباب.. ولم يحدث شيء كهذا ازاء عمالقة الفن الذين سبقوه ولم اكن اعلم أن الحوت يسكن في المزاد.. وفي طريقي الذي أسلكه كلما قصدت الخرطوم أو بحري وعجبت لما قرأت في الصحف ان زوجته «الطليقة» هي من تكفل بتذكرة رحلته للعلاج.. عجبت لهذا الوفاء وهذا التسخير الرباني وسمعت ايضاً انه كان يمارس المديح، وسمعت وسمعت كثيراً من القول عنه.. فقلت لله في خلقه شؤون وهكذا نحن لا تظهر حسنات الواحد منا الا بعد غيابه عن دنيانا.. الذي دفعني للكتابة عن هذا- اتصال تلفوني من الابن حسين عوض خضر من بربر. يقول فيه انه لم يكن من عشاق محمود عبد العزيز وهو مثلي لا يعرف عنه شيئاً في حياته.. ولا يشتغل به ولكنه رآه في رؤيا منامية قريباً وهو يردد قصيدة «خدام النبي».. وأملى عليَّ بيتين وجدت صعوبة في سماعهما، واتمنى ان يكونا صحيحين: «كل مقاييس الرسم.. في الدنيا شرقي وغربي تلقي شعبنا بالاسم.. اكتر بلد عاشق النبي». وقد حاولت سماع المدحة من «النت» فلم يكن التسجيل واضحاً.. وقال الابن حسين عوض خضر كأنني في منامي استنكرت عليه المديح.. فخاطبني قائلاً: «أنا اكتر شي نفعني هو مديح النبي» وقال حسين فصحوت من نومي.. فاذا المؤذن يرفع الأذان لصلاة الفجر.. سبحان الله! ابني حسين اكتب هذا نزولاً على رغبتك لك الجزاء.. ولنا جميعاً ولمحمود الرحمة والمغفرة.