ü جاءت حركة المحافظين التي أعلنها الرئيس محمد مرسي، وعين بموجبها (17) محافظاً في مختلف محافظات الجمهورية بعد أن أعفى المحافظين السابقين، بمثابة عنصر إضافي لزيادة الاستقطاب والانقسام القائم أصلاً في المجتمع المصري، فقد نظر إليه المعارضون والقوى الشبابية باعتباره تحدياً لإرادة المصريين واستباقاً لموعد «30 يونيو» المقرر سلفاً من قبل هذه القوى لإنفاذ «حملة تمرد» المطالبة برحيل الرئيس مرسي وإجراء انتخابات مبكرة، لأن الحملة الشبابية التي يتزعمها عناصر من نشطاء ثورة 25 يناير ومن يساندهم ويدعمهم من المعارضين يرون أن الرئيس محمد مرسي قد فقد «شرعيته» التي حصل عليها عبر صندوق الانتخابات بسبب مخالفته لوعوده الانتخابية، وفي مقدمتها وعده بإعادة النظر في تركيبة الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، من أجل صياغة «دستور توافقي» يعبر عن جميع أطياف المجتمع المصري، وتشكيل حكومة إئتلافية من جميع القوى السياسية الفاعلة تشرف على انتخابات حرة ونزيهة لمجلس النواب، والقصاص لدماء الشهداء، واتخاذ إجراءات تصب في صالح استكمال أهداف الثورة المتمثلة في شعار «عيش حرية وعدالة اجتماعية». ü ما لفت نظر المراقبين هنا، وأكثروا من الوقوف عنده والتعليق عليه، هو الموعد الذي اختاره الرئيس والحكومة لقرار حركة المحافظين، وأشاروا إلى أنه كان بالإمكان صدور القرار ضمن حزمة التعديلات التي جرت على حكومة الدكتور هشام قنديل قبل شهرين حتى يبدو طبيعياً، أو أن يأتي القرار بعد 30 يونيو، حتى لا ينظر إليه باعتباره تحدياً أو عناداً، خصوصاً والمحافظون هم من فريق الموالاة ما يجعل سيطرتهم على تلك المحافظات استباقاً للقرارات المنتظرة في ذلك التاريخ، فقد جاء تصنيف المحافظين الجدد كما يلي: (7) من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي «حزب الحرية والعدالة» و(5) من اللواءات العسكريين المتقاعدين و(3) مستقلين وواحد ينتمي للجماعة الإسلامية وحزبها «البناء والتنمية» وواحد ينتمي لحزب غد الثورة الذي يتزعمه الدكتور أيمن نور، المقرب في الوقت الراهن من الحزب الحاكم ودوائر الرئاسة. ü فور إعلان التعيينات، انتفضت قوى شعبية حركتها «حملة تمرد» وبعض أطراف المعارضة ضد المحافظين الجدد في العديد من المحافظات المعنية، وواجهوا المحافظين بجملة من الأعمال الاحتجاجية التي تراوحت بين احتلال المقرات والمكاتب وإغلاق بعضها بالجنازير وبمواجهات لم تخلُ من عنف لفظي وبدني بين كوادر الإخوان وبعض الجماعات الإسلامية وعناصر المحتجين الرافضين لتنفيذ القرار، وقد نجح بعض المحافظين الجدد في الوصول إلى مقارهم بدعم كوادر الحزب الحاكم، بينما اضطر آخرون للانتظار حتى تهدأ الأمور، ففي «الإسماعيلية» مثلاً خرج مواطنون في احتجاجات واسعة ضد تعيين حسن الرفاع واعتصموا في مقر المحافظة ورددوا الهتافات المعادية والأغاني الوطنية، وفي «الغربية» قوبل المحافظ أحمد البيلي بمظاهرات معادية، كما شهدت «الدقهلية» اشتباكات وقطع طرق، هذا غير ما حدث في «الفيوم» التي شهدت اشتباكات عنيفة وحرقاً لبعض مقرات الحزب الحاكم، وما جرى للقيادي الإخواني المهندس سعد الحسيني في «كفر الشيخ» حيث أحرقت سيارته وتم الاعتداء على منزله. ü أما «الأقصر» فقد تحولت إلى ما يمكن وصفه ب«أم المعارك» في حركة المحافظين، بالنظر إلى هوية المحافظ الذي اختارته الرئاسة ليقوم على إدارة المحافظة والمدينة السياحية الأولى في مصر والتي تحوي ثلث كنوز العالم الأثرية، فمن بين كل القوى السياسية الحليفة لجماعة الإخوان المسلمين وحزبها «الحرية والعدالة» تم اختيار السيد «عادل أسعد الخياط» من «الجماعة الإسلامية»، وكما هو معروف فللجماعة مع الأقصر تاريخ دامٍ، حيث أقدمت الجماعة في عام 1997 على المذبحة الشهيرة ضد السياح الأجانب راح ضحيتها 59 سائحاً حملت نعوشهم الطائرات إلى ألمانيا وأوروبا والولايات المتحدة مثلما راح ضحيتها عدد من المواطنين المصريين، لذلك كان القرار مفاجئاً ومستفزاً في آن معاً، تراوحت مفاجأته بين الجماعة التي جرى تعيين أحد قادتها محافظاً-الجماعة الإسلامية- فالناطق باسم حزب الجماعة «البناء والتنمية» صفوت عبد الغني أكد في تصريحات منشورة أنهم لم يستشاروا في «الخياط» ولم يرشحوه لتولي المنصب وأنهم فوجئوا كغيرهم بالقرار، وأنهم قدموا بالفعل ترشيحات للرئاسة عندما طلبت المشاركة في حركة المحافظين لكنها لم تأخذ بها.. تراوحت المفاجأة بين الجماعة المعنية وبين جميع القوى السياسية التي نظرت للقرار بمثابة «دقسة» رئاسية، كما يقول السودانيون، قادت لاستفزاز كل القوى ذات المصلحة في السياحة، محلياً ودولياً وحركت موجة من ردود الأفعال لم تهدأ أو تخمد حتى اليوم، منها على سبيل المثال: ü وزير السياحة د. هشام زعزوع تقدم باستقالته احتجاجاً على القرار، استقالة مكتوبة ومسببة، لكن رئيس الوزراء قنديل رفض الاستقالة والوزير لا يزال في انتظار إعادة النظر في تعيين «الخياط»، والخياط من جانبه تجنب المواجهة كذلك وجماعته، التي أجرت «مراجعات» فكرية شهيرة حول العنف وحمل السلاح، فأمرت عناصرها التي احتشدت أمام مقر المحافظة بالإنصراف «حفظاً لدماء المصريين». ü منير فخري عبد النور وزير السياحة الأسبق علق على القرارات في مداخلة له مع قناة «أون تي في» بقوله، لو كنت مكان الوزير كنت سأستقيل بدون قيد أو شرط لو حدث ما حدث. ü إلهامي الزيات رئيس غرفة السياحة المصرية أعلن على عدد من الفضائيات أنه قد وصلتهم ردود أفعال وتساؤلات حول القرار من كل أنحاء العالم ملخصها «أنتم عاوزين سياحة ولّ لا!» بحسب تعبيره، وأشار إلى منع «الباليه» و«الأوبرا» الذي رأى أنه يصب في ذات الاتجاه، رغم تصريحات المسؤولين المرحبة بالسياحة، التي تمثل إحدى الروافد الرئيسية للدخل القومي المصري. ü معتز السيد نقيب المشرفين السياحيين، أعلن من جانبه أنهم ليست لهم تحفظات على المهندس عادل أسعد الخياط في شخصه، لكن المشكلة تكمن في انتمائه «للجماعة» المعروف فكرها مسبقاً حول السياحة، ورأيها في الآثار التي تعتبرها «أصناماً» خصوصاً وأن بعضهم طالب بعد الثورة بهدم الهرم وأبو الهول وتغطية وجوه التماثيل. ü أما المهندس الخياط، الذي يبدو ملتزماً بحزمة المراجعات الفكرية التي أجرتها جماعته في السجن ضد العنف وحمل السلاح، على عكس آخرين كالقيادي عاصم عبد الماجد الذي يدعو علناً للمواجهات العنيفة مع المتظاهرين في 30 يونيو، الخياط أعلن من جانبه أن الآثار تراث إنساني يجب المحافظة عليه وأنه لن يتسلم عمله إلا إذا رضي أهل الأقصر.