المدينة إحساس خانق حيث البيوت ضيقة، والطرق مزدحمة، والجو حار جداً، والكل يتكالب الى سبل العيش ويتصارع من أجل المادة، ويتباهى بالفيلا والعمارة التي يقطنها، والعربة التي يقودها، والشهادة التي أحرزها، والدرجة التي وصل اليها، والناس يتهامسون في زيف مصطنع، وينقلون الأكاذيب ويطلقون الضحكات الخاوية المفتعلة، وتلقي الأمراض المزمنة منتشرة بنسبة عالية.. ضغط سكري- قولون- سرطان حمانا الله وإياكم.. بالإضافة الى قلق دائم وأرق، ويبقى الفرق شاسعاً ما بين السماء والأرض، حتى الهموم والآراء متباعدة، والنظرة الى الحياة مختلفة جداً، فساكن القرية إنسان بسيط في مظهره ولبسه، وطريقة تعامله وهمومه لا تتعدى سوى أكل لقمة عيش هنية في كوخ أو بيت لا يتعدى الراكوبة، والزير والعنقريب والقرية والقرعة معافى في بدنه راضٍ بقسمته لا تشغل أفكاره العربات الفارهة ولا البيوت الفخمة ولا التكنلوجيا المتطورة، بل يعيش في رغد من حمد وشكر لتلك النعم التي لا يشعر بها ساكن المدينة تجد فيه ترحاباً وبشاشة للضيف وكرم فياض رغم حاله البسيط إلا أن ذلك لن يكون عائقاً في أصل الطبع ومثلهم الشائع يقول «الجود بالموجود» و«الضيف يجئ برزقه».. في القرية صفاء ذهني واسترخاء تام، وقلوب نقية كالماس، فالحياة لا تصفها تلك الحروف ولا الجمل الفارغة في رحابها السجي، فسكان المدينة مصابون بداء اسمه التمدن والرقي المصطنع في كل شيء، لذلك بين حين وحين يجب علينا الرجوع الى تلك البقعة السامية وقضاء فترة استجمام فيها، علنا نشفى من هذا العضال ولو مؤقتاً.