ًü أصدرت أمس الأول (الاثنين) محكمة القاهرة للأمور المستعجلة قراراً بحظر «جماعة الإخوان المسلمين» و«الجمعية» التي تحمل ذات الاسم وتتخذ من المقر الرئيسي للجماعة في جبل المقطم المطل على القاهرة مقراً لها. ü «الجمعية» ذاتها، وهي تدخل ضمن منظومة «الجمعيات الأهلية» التي ترعاها وزارة التضامن الاجتماعي، ظهرت إلى الوجود في مارس من العام الماضي عندما كان الرئيس مرسي -أحد قادة الجماعة- رئيساً للبلاد، وكانت بمثابة توفيق قانوني لمعضلة «الجماعة» المحظورة قانوناً، والتي فشلت كل المحاولات عبر كل العهود السابقة واللاحقة في إضفاء الصفة القانونية والشرعية على وجودها. فمشكلة الجماعة أنها تخلط بين العمل الدعوي والإرشاد الديني والسياسة التي بلغت في بعض المراحل درجة استخدام العنف ضد الخصوم السياسيين. ü حلت جماعة الإخوان المسلمين من قبل في العهد الملكي لاتهامها باغتيال رئيس الوزراء النقراشي والقاضي الخازندار، ولكنها وجدت اعترافاً من ثورة يوليو بقيادة جمال عبد الناصر برغم قرار حل الأحزاب الذي استثنى «الجماعة» عملياً من ذلك القرار ومنحها إذناً غير مكتوب للعمل والمشاركة في الثورة التي أطاحت بالملكية، ولكن كما قال جمال عبد الناصر في أعقاب «حادث المنشية» 1954 واتهام الجماعة بمحاولة اغتياله إن «الجماعة» أرادت السيطرة على الحكم والاستحواذ على كل شيء وإنها كانت على اتصال بالسفارة البريطانية تنسق معها ضد الأمن الوطني المصري، فجرى حينها حل الجماعة بقرار من مجلس قيادة الثورة وأودع قادتها في السجون إلى منتصف الستينيات، قبل أن يُفرج عنهم ويعاد بعضهم إلى وظائفهم السابقة في أجهزة الدولة المختلفة. وتكرر الحل في عام كما هو معروف في منتصف ستينات القرن الماضي، وكان السبب كما هو معروف أيضاً اتهام الجماعة و«نظامها الخاص»-الجناح العسكري السري التابع لها باستخدام العنف وأعمال الإرهاب للوصول إلى غاياتها السياسية عبر تصفية أعدائها وترويع المجتمع. ü حاولت «الجماعة» في أوقات لاحقة على أيام أنور السادات -الذي منحها بدوره فرصة الحركة والعمل وأطلق العديد من قياداتها ومنسوبيها من السجون- حاولت استئناف أحكام الحظر والحل السابقة ولكن دونما جدوى، إذ كرست الأحكام القضائية اللاحقة قرارات الحظر الصادرة منذ عام 1954. ü الآن يجيء حكم «محكمة الأمور المستعجلة» ليسير على ذات المنوال وليشمل منطوقه «الجماعة» و«الجمعية» وكل المؤسسات والهيئات المتفرعة عنها، وذلك (قد) يشمل أيضاً حزب الحرية والعدالة «الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين» كما درج الإعلام المصري على توصيفه، كما اشتمل الحكم على التحفظ على أموال الجماعة والجمعية وممتلكاتها، وإن لم يقل ب«مصادرتها»، ذلك لأن محكمة الأمور المستعجلة ليست ذات اختصاص، كما أن أحكامها بطبيعتها مؤقتة، وهي فرع من القضاء تم استحداثه في أوقات سابقة لمواجهة القضايا الملحة ولتفادي وقوع الضرر ومنع التدهور والتداعيات التي قد تترتب على التأخير الذي يلازم عادة إجراءات التقاضي لدى الهيئات القضائية الجنائية والمدنية المعتادة. ü المدافعون عن أحكام الحظر الجديدة يرون أن سلوك الجمعية والجماعة كان يحتم مثل هذه الإجراءات، لاستعادة هيبة الدولة وسيادة القانون، وذلك بالنظر للمواجهات العنيفة التي دخلت فيها الجماعة ومنسوبوها في مناطق عدة من البلاد وفي استهداف المنشآت العامة والخاصة بعد الثلاثين من يونيو والإطاحة بحكم الرئيس محمد مرسي، كما جرى في قرية «دلجا» بمحافظة المنيا في صعيد مصر و«كرداسة» في ضواحي القاهرة، وما يجري من مواجهات يومية في سيناء بين المدافعين عن شرعية مرسي والقوات النظامية هناك من جيش وشرطة. ü آخرون رأوا في أن قرارات الحظر والحل التي اتخذتها المحكمة لم تكن ضرورية لعلاج الموقف، ويؤيدون وجهة نظرهم القائلة بأن «لا حل في الحل» والحظر لأن «الجماعة» أصلاً محلولة من وجهة نظر القانون، وأنه كان يكفي اتخاذ قرار إداري من جانب «وزارة التضامن» بوقف نشاط الجمعية التي أنشئت لتوفيق أوضاع الجماعة، لأن الجمعية خالفت نظم وقوانين ولوائح النشاط الأهلي عندما سمحت باستخدام مقرها -الذي هو ذات مكتب الإرشاد- لممارسة العمل السياسي وأكثر من ذلك في خوض مواجهات مسلحة مع المتظاهرين، وكل ذلك وغيره مخالف لتلك النظم واللوائح. ü لكن أهم من ذلك، فإن قرارات وأحكام الحظر والحل لن توقف بالضرورة نشاط تنظيم انتهاج «العمل السري» أسلوباً لممارسة السياسة، وإنه يلجأ الى العلنية فقط عندما تسمح له الظروف السياسية والمجتمعية للقيام بذلك، كما حدث في فترات متقطعة أيام حكم جمال عبد الناصر أو السادات أو حسني مبارك، وأن التضييق في كل تلك الفترات لم يوقف نموه، بل على العكس فإن اتخاذه لسمت «الضحية» ومظهرها جلب له المزيد من التعاطف الشعبي وشكّل له حاضنة ضرورية للاستمرار، خصوصاً وهو يقدم قدراً مهماً من الخدمات الاجتماعية والعون الإنساني في بلد يُشكل فيه الفقراء نسبة كبيرة من المجتمع. ü صحيح أن الوضع بعد ثورة 25 يناير اختلف، حيث إن «الإخوان» وجدوا أنفسهم التنظيم الأكثر رسوخاً. بين الطبقات الاجتماعية المختلفة والأكثر تأهيلاً من حيث «التنظيم والتمويل»، ومع ذلك رأوا في البداية ضرورة التحسب من الاندفاع إلى السلطة وقرروا أن لا يرشحوا للرئاسة وأن يقتصر ترشيحهم للبرلمان على الثلث، إدراكاً منهم لطبيعة المجتمع المصري وللمصالح الوطنية الحساسة التي قد لا تقبل سيطرة «فصيل ديني» على الدولة دفعة واحدة، لكنهم ريثما غيروا رأيهم واتخذوا الموقف النقيض واندفعوا لاهتبال الفرصة السانحة التي قد لا تتكرر مرة أخرى، وانتصر هذا الرأي في أوساطهم فرشحوا للرئاسة وللبرلمان وعقدوا التحالفات التي أوصلتهم إلى السلطة، ليفاجأوا بعد حين برفض شعبي واجتماعي غير منظور، قادته النخب المدنية والليبرالية حتى كانت 30 يونيو التي دعمتها قوى الدولة المركزية العريضة أو «العميقة» على حد تعبيرهم المستلف من «أردوجان» فأطاحت بحكمهم، ليتفجر الصراع مجدداً بينهم وبين الدولة، وتعود «حليمة مصر لعادتها القديمة». ü وبغض النظر عن التفاصيل والرؤى المتضاربة، هناك حقيقة واحدة لا تقبل الجدل وهي أن الحل الأمني أو القانوني ليس حلاً ناجزاً أو فاعلاً لترتيب الحياة السياسية أو تأصيل العمل الديمقراطي، لأن مثل هذه الإجراءات الأمنية والقانونية تقوي حجة القائلين ب«الانقلاب» وغياب الديمقراطية والإقصاء. ففي مقدور النظام الجديد أن يلجأ لقانون العقوبات وفيه فصل كامل عن «الإرهاب» لمواجهة الخروج على القانون، دون اللجوء لإجراءات الحل والحظر التي لن تجدي فتيلاً، خصوصاً بعد أن أثبتت أجهزة الأمن المصرية قدرتها على إنفاذ القانون بمهنية واحترافية كبيرة، كما جرى في «دلجا وكرداسة». ü رحم الله زعيمنا الوطني محمد أحمد محجوب، الذي كان يقول إن علاج أمراض الديمقراطية وأدوائها لا يتأتى إلا بمزيد من الديمقراطية!