واليوم نلهو قليلاً.. نودع صرامة الانضباط.. و(نفك) تلك التكشيرة.. ونفرد الجبهة (المصرورة).. ونرتاد في مرح.. ساحات اللهو البريء والعبث السهل المريح.. نفارق تلك الجدية.. ونرمي من ظهورنا.. أحمال الوطن.. وهموم المواطنين التي تئن وتنوء من حملها الجبال.. قال لي أحد الأحبة.. مشفقاً.. إلى متى أنت (شايل الدنيا في رأسك؟).. متى تضحك.. متى تبتسم.. متى تترك ذاك النواح.. وذاك الأسى.. وذاك الخوف.. خوفك على الوطن.. وعلى مواطني الوطن.. لم أعر حديثه.. التفاتة.. ولا وزناً.. ولا سمعاً.. حتى قرأت مقولة شاهقة بليغة ورفيعة.. لأبي الدرداء رضي الله عنه.. قال (إني لأستجم نفسي بشيء من الباطل.. كراهة أن أحملها من الحق ما يُملها).. صدق أبو الدرداء عليه الرضوان.. وها أنا اليوم.. أغمض عيني.. هروباً.. من ذكرى ورعب الاستفتاء.. أهرب عامداً.. من سماع.. أنين أوجاع وآلام شعبي.. أضع أصابعي على أذني واستغشى ثيابي.. حتى لا أسمع .. شكوى المظلومين.. وبكاء المنكوبين.. أضع جانباً ثياب الجدية.. والغضب من موجات الظلم.. وفداحة التمييز.. ونحيب المحالين للصالح العام.. أصرف نظري عن شباب بلادي العاطلين لشح الوظائف.. المحتكرة.. أصلاً (لناس) غيرهم.. وأشيح بوجهي عن الأبواب المؤصدة أمام كل مواطن لا ظهر له.. ولا سند له.. عارياً من (قرابة) المسؤول.. خالي الوفاض من بطاقة (تنظيم).. وتلك المشرعة.. لكل محظوظ.. أو متسلق.. أو حتى منافق.. أو حتى متسربل زوراً وبهتاناً برداء الدين.. ودين الله الحق.. بريء من كذبه وإفكه.. وانتحاله.. حتى المريخ.. الذي يرقد هذه الأيام.. في العناية المكثفة.. وروحه التي الآن عند الحلقوم.. لن أستجيب لأنينه.. الخافت الحزين اليوم.. يوم اللهو البريء.. والتحرر من صرامة الواجب.. وهول التكليف.. اليوم أخلع نعلي وأمشي حافياً.. في (بستان فاروق جويدة).. أركض على روعة العشب الأخضر.. استظل أحياناً على ظل شجرة.. كثيرة الأغصان مثقلة بالثمار.. أحلق.. كما الفراشات الملونة.. على هامة الزهر. أحبتي .. إن كنتم مثلي اليوم (قليلي الشغلة).. و(همكم فاضي) أو (زهجتوا) من جدية .. قاتلة.. وصرامة كئيبة.. إذا كنتم كذلك.. فأنا أهديكم.. هذه اللوحة الفاتنة.. صفحة نضيرة.. وقصيرة خطيرة.. كتبها.. بروحه وعصبه الشاعر فاروق جويدة.. بعنوان لو أننا .. لم نفترق لو أننا لم نفترق لبقيت نجماً في سمائك سارياً وتركت عمري في لهيبك يحترق لو أنني سافرت في قمم السحاب وعدت نهراً في ربوعك ينطلق.. لكنها الأحلام تنثرنا سراباً في المدى وتظل سراً.. في الجوانح يختنق لو أننا لم نفترق.. كانت خطانا في ذهول تبتعد وتشدنا أشواقنا.. فنعود نمسك بالطريق المرتعد تلقى بنا اللحظات.. في صخب الزحام كأننا جسد تناثر في جسد جسدان في جسد نسير وحولنا كانت وجوه الناس تجري كالرياح.. فلا نرى منهم أحد مهما توارى الحلم في عيني وأرقني الأجل مازلت ألمح في رماد العمر شيئاً من أمل فغداً ستنبت في جبين الأفق نجمات جديدة.. وغداً ستورق في ليالي الحزن أيام سعيدة وغداً تضيء ظلام أيامي وإن كانت بعيدة.. شكراً... فاروق جويدة.. شكراً أحبتي القراء.. وهذه هي هديتي وعيديتي لكم.. أقبلوها مني.. رغم أنها تأخرت كثيراً.. وتلكأت في وعورة الطريق.. كثيراً.