واليوم يا أحبة أنا سكرتير امتحانات السودان.. ليس فقط سكرتيراً بل أنا كل اللجنة مجتمعة وممثلة في شخصي وحدي.. ليس ذلك انفراداً بقرار.. ولا هي نرجسية مقيتة.. ولا هو غرور طاؤوسي بليد.. فقط قررت أن «أدق صدري» واتحمل نتائج أسئلتي وحدي.. مفتدياً كل الأعضاء بنفسي لأن اسئلتي أظنها.. بل أتيقنها إنها تقود إلى السجن الموحش.. إن لم أقل تدفع بي دفعاً إلى حبل وخشبات المشانق.. أكتب اسئلتي من محبرة النزيف.. وأكتب من صفحة وجدان انساني شريف وأغمس «سنة» قلمي في بحيرة الدم الذي إنبثق حاراً يغرغر في صدور الرجال الشرفاء الذين لمعوا كما الشهب وتفجروا كما النيازك وكتبوا بأجسادهم المطوحة فوق شرفات العالم أرق كلمات الحنين إلى الزمن الآتى.. فإلى الورقة الأولى.. والسؤال الأول.. السؤال موجه حصرياً إلى الدكتور المهذب عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم.. سيدي.. قلنا لك كفاحاً وأمامك شخصياً إن من يحكم الخرطوم الولاية هو الحاكم الفعلي للسودان.. ورغم إني والانقاذ خطان متوازيان لا يلتقيان إلا على كراسة بليد.. دعني أعترف- رغم أن ذلك قاس عليّ وصعيب- اعترف إنك تقوم بجهد يصل حد الإعجاز ويلامس حواف الإبهار لجعل حياة مواطني ولاية الخرطوم ممكنة ومحتملة.. اعترف انك تبذل مجهوداً خارقاً لتخفيف آثار الأخطار المدمرة التي صنعها باقتدار «إخوانك» في الانقاذ وأحبابك في المؤتمر الوطني الذين أوصلوا قطار الاقتصاد إلى هذه المحطة البائسة الخلوية الجديبة والتي يصفر فيها الريح فقد جفت ينابيع الأموال ونصبت «قروش» الحكومة.. وأصبحت خزانة المركزي أفرغ من فؤاد أم موسى.. فكان الخيار هو رفع الدعم عن المحروقات وانزال صخرة هائلة على أجساد المواطنين الشاحبة الناحلة.. نعترف بأنك حاولت المستحيل أن تكون هذه الجراحة أقل قسوة وايلاماً على مواطني ولايتك.. شكراً لك.. ولكن سيدي الدكتور وأظنك لن تصدق إن سؤالنا لك اليوم لن يتضمن حرفاً واحداً من المشكل الاقتصادي.. بل دعني أقول إنه خارج المقرر تماماً.. والسؤال قبل كتابته حتماً يحتاج مني إلى مقدمة.. صغيرة.. وهي إن شعب ولاية الخرطوم.. شعب نبيل وجميل وأصيل.. يتحمل في صبر وجلد النوازل والكوارث.. لا تهمه مطلقاً المسغبة والرهق وحتى الجوع.. يغني ويترنم وهو في أشد الايام حلوكة وظلاماً.. يبتسم وهو في أحرج اللحظات حزناً وايلاماً.. يتعالى فوق كل الجراح.. يبهر الأيام والنهارات والليالي بمواصلة الحياة ليس في رتابة بل في ابداع وإمتاع.. يلون الليالي بألوان الطيف قوس قزح.. عند الميلاد وحتى أعياد الميلاد.. يضيء المصابيح و«يضرب» الدفوف «دقاً» حتى في الفرح بختان أنجال.. يطلق البخور ويشعل المصابيح ويستدعي الناي ويستضيف الكمان ويداعب بريش الحمام أعواد العود.. ويهز ويبشر و«يشيل الشبال» في الأعراس وفرح الأعياد عندما يلتقي حبيبان ويقترنان ويشرعان في بناء عش الزوجية «قشه قشه».. والسؤال.. لماذا ولايتك تصادر هذا الفرح؟.. لماذا ذاك القهر على الخرطوم وكل أقاليم وولايات السودان.. ومدن وحواضر الوطن السعيد والنبيل تسهر غناءً وفرحاً «صباحي».. لماذا تآمرنا الولاية أن «نلملم الكراسي» ونطوي البساط.. ونطفيء الأنوار ونخرس «الساوند» عند الحادية عشر مساء؟؟ لماذا تختذلون «ليالي العمر» بساعتين من الزمان وكل الغناء السعيد يبدأ عند التاسعة مساءً؟؟.. وما هو الازعاج الذي تخشون وهل.. غناءً واحتفالاً بفرح قران.. وشدواً رفيعاً والجو يحتشد والفضاء يزدحم بالكورال الجماعي.. حققنا أحلامنا وكل عاشق عقبالو.. هل هذا ازعاج؟.. أم روعة واناقة وابداع؟؟ الاحد.. السؤال التالي لمسؤول آخر