بعد المقدمة التي سبقت هذا المقال بالأمس الأول عن ما هية دوافع الكاتب الهيل وأجندته السرية أو المحتملة أو عن جهله أو تجاهله لبعض المعارف والأحكام الشرعية أو أنه ربما أراد أن يتشيطن علينا بعض الشيء نقول له ولمن اختار المقال العثرة لينشره في «الصحافة» الغراء: أطمئن.. فكل داء عندنا له دواء.. حتى الشيطنة عندنا لها رقية وسنرقيك. في البدء أشير إلى أنني سأخالف أسلوب التلبيس والتدليس والدغمسة الذي اتبعه دكتور الهيل في مقاله موضوع الرد والذي كان بعنوان «النقد الديني وعنصرية العرب والقرآن الكريم» ولسوف أنصفه حتى يخجل أو يستحي.. هو بالخيار. ابدأ بتعداد المآخذ على الكاتب من مقاله محررة وموضحة ثم أعلق عليها بعد ذلك. 1. العنوان جاء هكذا «النقد الديني وعنصرية العرب والقرآن الكريم» هل يعبر العنوان عن قناعات الكاتب الهيل أم أن العنوان محاولة لتخليص تقولات القائلين توطئة للرد عليها؟ 2. يبدأ الهيل في مقاله هكذا «بعض المستغلين بالنقد الديني».. وهو لا يذكر لهم أسماء ولا صفة ولا يفرد لهم نصاً بين معكوفتين حتى نعلم بالضبط موضع الرد وأسبابه ثم نحكم عليه بالخطأ أو الصواب. 3. بعد العبارة السابقة يضع بين معكوفتين «للتوضيح فقط نقد جميع الأديان».. وتبدو كلمتا للتوضيح وفقط زائدتان ولا حاجة للقاريء ولا للكاتب بهما.. بل كان يكفيه أن يقول بين معكوفتين «نقد جميع الأديان». 4. ثم يقول بعد العبارة الأخيرة: يفترضون ثم يضع بين معكوفتين «يفترضون من منظورنا أما هم فيجزمون» أن القرآن الكريم والسنة المطهرة كرستا عنصرية الجاهلية الأولى وثقافتها الممتدة من إرث حرب البسوس وداحس والغبراء وما قبلهما ومائلاهما..» وقوله «من منظورنا أما هم فيجزمون» لا معنى له إلا أن يفهم أن القائلين يجزمون ويؤكدون على مقولتهم تلك أما نحن «د. الهيل» فنفترض ولا نجزم ولا نؤكد. والعبارة الأصلية والمركزية كان يمكن أن تأتي مجردة من الجمل الإعتراضية ثم يتلوها ما شاء الكاتب من الاعتراضات والتوضيحات هكذا: بعض المشتغلين بالنقد الديني يفترضون أن القرآن الكريم والسنة المطهرة كرستا عنصرية الجاهلية الأولى..» إلى آخر العبارة.. ثم يأتي الدكتور ليقول «إن هؤلاء يشتغلون بنقد جميع الأديان لا يخصون ديناً دون دين.. وهم يجزمون بهذه العنصرية أما نحن فنسايرهم فنفترض ذلك افتراضاً حتى يتبين لنا خطؤه أو صوابه كان هذا سيكون أوضح وأنصح وأبلغ ولا تلبيس فيه.. أو لو كان هو موافقاً بعض الموافقة أو أنه يفترض صحة المقولة ولا يملك لها دليلاً فكان يمكنه أن يقول إن هذا الكلام يجد موقعاً في أنفسنا وسنقدم له الدليل.. 5. إن الكاتب يبهم ويخلط بين قوله وقول أولئك النفر المشتغلين بالنقد الديني كما يدعي ويورد جملاً لا يعرف أين تبدأ ولا أين تنتهي ولا إلى من تنسب.. هل تنسب لأولئك المشتغلين أم للكاتب؟مثلاً اسمعه يقول:- «ويدافعون» أي «أولئك المشتغلون» عن اعتقادهم أن طرح السنة المطهرة والأئمة الأربعة وعلماء الأمة والمجتهدين لتفسيرات ومبررات الآيات الكريمة عن العنصرية الثقافية خلال عصر الجاهلية أو ما قبل الإسلام طرح غير مقنع علمياً لأن المسألة ليست في التبريرات. ونحن نعتبر أن هذا الكلام هو نقل منه بتصرف عن الأصل الذي ادعاه هؤلاء المشتغلون بدليل أنه يصف الآيات بأنها كريمة ولا يعقل من تكون كريمة عند الذين يتهمونها بالعنصرية. ثم تأتي بعد ذلك مباشرة عبارة لا تخضع لفن الكتابة ولا لفن الترقيم حتى لتعجز من أن تنسبها لقائلها وأنت مطمئن البال. يقول الهيل بعد عبارة لأن المسألة ليست في التبريرات. «بيد أن المسألة الأهم هي في وجود تلك الآيات وإجماع العلماء على صلاحيتها لكل زمان ومكان مثلاً يشيرون إلى آية (وللذكر مثل حظ الأنثيين) بأنها تفرقة أو عنصرية جنسية وبأنها مؤكدة في القرآن الكريم بصرف النظر عن التبريرات التي أتت بها السنة المطهرة والمفسرون بدءاً من الخلفاء الأربعة والأئمة الأربعة والتابعين وتابعي التابعين إلى يومنا هذا..» انتهت العبارة. من هو صاحب العبارة من قوله بيد أن إلى قوله زمان ومكان؟! وقوله مثلاً يشيرون يدل على أنه ينقل عنهم بتصرف ويدل على ذلك أنه مرة أخرى يقول القرآن الكريم وكذلك يقول السنة المطهرة وهم لا يقولون الكريم ولا المطهرة وما ينبغي لهم بحسب نقدهم ورميهم للآيات والقرآن والعرب بالعنصرية. متى سينبري هذا الكاتب الجهبذ للرد على هذه التطاولات؟ وإلى متى سيترك القاريء والمتلقي نهبة للظنون والأوهام والحدس والتخمين من هو القائل وما هو دور الناقل وما هو واجب المتلقي؟ 6. كذلك يستمر الهيل في أسلوبه ذلك فيقول بعد ذلك مباشرة ويستدلون بآية مشروعية زواج الرجل بأربع نساء وبما ملكت اليمين وضرب الزوجة «الزوج في اللغة القرآنية» الناشز «العاصية لأمر الزوج» بأنها كذلك تكريس لفوقية الذكر على الأنثى وهي عنصرية جنسية واضحة بين الذكر والأنثى بغض النظر عن مبرراتها ومسوقاتها وتفسيراتها.. والأخ الدكتور حتى هذه اللحظة لا يكلف نفسه ولا يتحمل مؤونة الرد بل يكتفي بإيراد الشبهات والاتهامات ويجود صياغتها، بل هو لا يوردها كما صاغها أصحابها «الذين أشك في وجودهم أصلا»، بل يصوغها هو بأفضل ما يريد ويدخل فيها ما يشاء من المعاني التوضيحية والجمل الاعتراضية حتى يختلط حابل القائل الأصل بنابل الناقل الفرعي فلا يدري المتلقي أين الحق وأين الباطل.. وإذا أحسن الظن بدءاً بالناقل فإنه يقبل القول كله جملة وتفصيلاً لا تفاق الناقل والقائل.. فيا سبحان الله. ويجمل الدكتور الناقل «البصير» هذه الشبهات وهذه الاتهامات بقوله هو «أي النشوز» ضمن عناصر أخرى كثيرة من الإرث العنصري لقبائل العرب مكرساً ومؤكداً عليها في القرآن الكريم والسنة المطهرة وبأن التبريرات والتفسيرات لا تنفي كونها غير عنصرية «أظنه يريد لا تنفي كونها عنصرية» والخطأ مطبعي لأن التبريرات يفترض أن تحاول نفي كونها عنصرية لا كونها غير عنصرية».. يستمر قائلاً: «الأهم من وجهة نظرهم أن التفرقة وعلوية الذكر وضرب الزوجة الناشز نصوص وآيات موجودة في القرآن الكريم». 7. يقول الدكتور: ويستدلون أيضاً بآية الرجال قوامون على النساء. 8. ويقول أيضاً بعد أسطر: «وينظر أولئك النفر المشتغلون بالنقد الديني للذين لا يرحبون في مجملهم بفكرة الدين أن تلك الآيات كانت إرضاءً للقبائل العربية إغراء لهم بالدخول في الدين الجديد وتكريساً للعنصرية الجاهلية التي جاء الإسلام أساساً لهدمها».. مقولة «التي جاء الإسلام أساساً لهدمها» هل هي من مقولات المشتغلين بالنقد الديني لجميع الأديان أم هي جملة اعتراضية نقدية لمذهبهم خرجت من الكاتب د. الهيل؟.. بودي أن أعرف بالقول المباشر لا بالظن ولا بالحدس ولا بالتخمين. 9. يقول الأخ الدكتور الألمعي الذي لا يدانيه أحد فهلوة ولا شيطنة ولا حذلقة ولا مراوغة ودغمسة وتلبيساً وتدليساً.. يقول.. «وفات أولئك أن في الشرع الإسلامي اجتهاد- هكذا- وقياس- هكذا- وبعيداً عن أي تبرير حتى لا يتهموننا بأننا نبرر وجود تلك الآيات المتضمنة أحكاماً شرعية فإننا في العموم نستشهد بقول الحق سبحانه: «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير». بالله ماذا تفهمون من قول الدكتور «حتى لا يفهموننا بأننا نبرر وجود تلك الآيات المتضمنة أحكاماً شرعية»؟ ألا تفهمون أنه لا يبرر وجود تلك الآيات أي أنه لا يجد مبرراً لوجودها؟ هل يفهم منها غير ذلك؟ لو كان الدكتور يقول ذلك انطلاقاً من قناعته بعدم الحاجة أصلاً للتبرير لكان في وسعه أن يضع جملة توضيحية بين معكوفتين نصها «لأنه لا حاجة أصلاً للتبرير» ثم يستمر في سرده وعرضه حتى الغاية التي يريدها هل تصدقون أن في جعبة الدكتور ما هو شر من هذا.. بل فيها داهية من الدواهي. أظن الدكتور الآن قد شحذ قلمه وفكره وهيأ نفسه للرد على هؤلاء المشتغلين بالنقد الديني وجميع الأديان. الدكتور يخطط لمحاربة الشبهة بشبهة أكبر منها وإبدال الطعن بطعن أنكى وأبعد غوراً!! يقول في الرد: وفي التخصيص نقول بالنسبة لموضوع الميراث في الآية الكريمة فإن الآية مقيدة بالأنثى والذكر في المجتمع المكي والمدني خلال السنوات الثلاث عشرة التي اكتمل فيها نزول القرآن الكريم التي كانت فيها الأنثى تعنى بشؤون المنزل والأطفال والأسرة على خلاف الذكر العائل لهم. يقول المتحذلق: هذا المنطق ليس تبريراً وإنما هو استجابة لواقع المجتمع حينذاك وأما في الوقت الحاضر فقد ظهرت فتاوى لعلماء يختلفون عن نظرائهم التقليديين بوجودهم في بلاد غير إسلامية وبإلمامهم بفقه الواقع المتغير في حياة الأنثى«تعليمياً وتصديها لمسؤوليات الشأن العام ووصولها إلى أرقى المناصب العلمية» واتقانهم للغات عالمية حية أخرى إضافة إلى إلمامهم بالقرآن والسنة فقد استخدموا القياس بناءً على الاجتهاد المفتوح إلى يوم الدين وأفتوا بتساوي الذكر والأنثى في الميراث وديدنهم أنتم أدرى بشؤون دنياكم وأن القرآن والسنة صالحان لكل زمان ومكان ليس في المطلق وإنما بشرط الاجتهاد والقياس نتيجة تغير الزمان والمكان. العبارة طويلة وأقف عند هذا الحد وأعود إليها لاحقاً ولكن يبدو أن الفكرة التي يقف وراءها دكتور الهيل قد وضحت وهي تبدل الأحكام حسب الزمان والمكان وهو فهمه لصلاحية القرآن لكل زمان ومكان أي أن الأحكام تبدل حسب الزمن وحسب المكان فالقرن الأول الهجري غير القرن الرابع عشر والمدينة ومكة غير أمريكا، بل ربما مكة والمدينة غير السودان فلكل واحد من هذه البلاد حكمه الشرعي الذي يناسبه. أما الزمان فهو أيضاً عنصر آخر في قبول الأحكام الشرعية.. قولوا للأخ الدكتور ارتزم سياط النقد واحفل لها بما شئت.. فظهرك دام ولا مهرب لك.. تنبيه واعتذار: نود أن نعتذر عن الخطأ الذي حدث في مقال كمال عمر باي باي كمبورة من حيث الخلط بين صفتي ضمام ابن ثعلبة وثمامة ابن الثال من حيث التداخل بينهما وسنوضح ذلك لاحقاً.