وجيل السبعينيات الذي يمسك بخطام الدولة الآن ويجرها إلى أين لا أدري ؟ هو جيل فريد بكل ما تعني الكلمة من معنى ، جيل يحمل لواء المفارقة المهولة بين قوة الكمون وضعف التمكين..؟ فأحمد عثمان المكي الشهير بود المكي يبلغ من النفوذ حداً يجاوز كل حد ..!! حين يجعل النميري بكل سلطانه وصولجانه يسعى إلى لقائه.. وهو ذاته الذي يطالب بإطلاق سراح الخاتم عدلان «خصمه اللدود» في سياق مساومة جعلت قادة أمن نميري يصابون بالدوار، وهم يرددون أحمد عثمان الإسلامي يطالب بإطلاق سراح الخاتم عدلان الشيوعي، ليقول لهم: بل التوصيف الصحيح، أحمد عثمان المكي رئيس إتحاد طلاب جامعة الخرطوم يطالب بإطلاق سراح الطالب الخاتم عدلان .!! بهذا الرشد الأخّاذ كان قادة التيار الاسلامي يجذبون إليهم أطيافاً واسعة من الطلاب. ويضربون أروع الأمثال في تحمل المسؤولية والحكم بالعدل والقسمة بالسوية، وكان أصحاب الشارلستون وصويحبات التنانير القصيرة يصطفون طويلاً لترشيح شباب الإسلاميين لأنهم يدركون جيداً مدى قوامتهم واستقامتهم، فكان الشعار المرفوع حينذاك يمثل الواقع في أبهى تجلياته : أصلب العناصر لأصعب المواقف..!! ووفق معيار الأشباه والنظائر ، كان الناس يظنون أن مستوى الرشد الذي كان مصطحباً في تجارب الولاية الصغرى في اتحادات الطلاب ومنظمات المجتمع المدني سوف يتم نمذجته ومأسسته في أجهزة الدولة ، وأن ذات الجيل الذي قام بتسطير أروع البطولات قد إلتقى بجيل التضحيات على محطة الفعل والانجاز والترميم والبناء ..!! وأن السودان سوف يشهد نهضة على جميع الأصعدة تعبيء الطاقات وتوظف الإمكانات الكامنة ، وأن الظرف الإستثنائي الذي سوّغ الإنقلاب على الديموقراطية لن يلبث طويلاً، فستعود الشرعية على مطية النظام لا الفوضى، وأن الطائفية لن تبقى لتحجب العقول، وتأسر القلوب لمراكز جذب بعينها تجعل نواظم الإنتماء لفصيلٍ لا لشعبٍ..!! وأن الإقتصاد سوف يبحث عن مزاياه النسبية والمطلقة وسوف يدير الموارد بالعدل والكفاءة المطلوبة ، وأن الثقافة ستقود المجتمع إلى تغليب قيم الحوار والتبادل والإسماح لتصنع مزيج الدهشة ودهشة المزيج..!! وأن العلاقات الخارجية ستدار بالعقل والمنطق ومراعاة المصالح لا بتتبع الأهواء ولا توابع الهوية ..!! وأن الأطياف المتعددة لأثرى مشاهد التنوع في العالم ستكون إحدى مصادر القوة الناعمة لدولة في حجم قارة ، وأن التعليم والصحة وشبكة الخدمات والبنى التحتية سوف تشهد تحسناً ملحوظاً ومضطرداً ..!! وأن مباديء الشريعة وقيمها وغاياتها ستكون هي الحاكمة برضى الناس وإجماعهم وتهيؤ المجتمع لمزيد من الضبط والاستقامة على هوادي التربية والإصلاح والموعظة بالحسنى. وأن .. وأن .. وأحلام اليقظة تترى إلى أن استيقظنا على وقع المفاصلة الشاهدة على تشظي الذات وعلى وقع الإنفصال الشاهد على تحرر الآخر ..!!