ولعل الغريب في كل هذا، هو من أين يأتي المفاوض الفلسطيني بالتفاؤل الذي يطلقه بين حين وآخر حول سير المفاوضات، ومن أين يأتيه الأمل بأنه سيحقق أي مكسب للشعب الفلسطيني الرازح تحت أبشع أنواع الاحتلال والقمع والاضطهاد والنكران، لدرجة أن فكرة وجود العلم الفلسطيني في مقر إقامة الارهابي السفاح بنيامين نتنياهو احتاج إلى مفاوضات مضنية من قبل الجانب الأميركي، ولعل ذلك هو ما يدفع الجانب الفلسطيني للتفاؤل، فإذا كان المفاوض الفلسطيني يبني تفاؤله على هذه الشكليات ،وضع العلم في مقر نتنياهو، ومخاطبة رئيس السلطة بالسيد الرئيس، والمصافحات الاستعراضية، فما قوله عن إعلان بدء فصل أحياء فلسطينية جديدة عن محيط القدس، والتصريحات المتواصلة عن استئناف الاستيطان ابتدءاً من 26 ايلول سبتمبر 2010، وهي الفترة المحددة لإنهاء عملية التجميد الشكلية التي اعتمدت أساساً لبدء المفاوضات المباشرة، وما قوله فيما صرح به الارهابي اليميني السفاح بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته المجرم وخادم خمارات ومواخير موسكو افيغدور ليبرمان ، عن رفض أي فكرة للاستمرار بتجميد الاستيطان، ما هو واضح انه كلما زاد أمد المفاوضات وجد الفلسطينيون أنفسهم أمام مزيد من التنازلات والنتائج الكارثية، التي لا منقذ منها سوى التمسك بالحقوق، وتوحيد طاقات الشعب الفلسطيني، وتوظيفها لتوليد حركة حية هدفها انتزاع الحقوق لا استجداؤها في ظل هذه الأجواء تعيش يبدو أن إسرائيل مفارقات لافتة للنظر، حيث إنها كلما امتلكت المزيد من القوة والقدرات، شعرت أن المخاطر تزداد من حولها، بالطبع هناك في إسرائيل رأيان حول هذه المسألة، الرأي الأول يدعو إلى تغيير أسلوب التعامل مع الواقع في المنطقة، والرأي الثاني لا يرى إلا موضوع تعاظم القوة الإسرائيلية، هذا ومن أشد القضايا إثارة في إسرائيل هذه الأيام هو السجال الدائر الذي لا يتوقف حول مفهوم الردع في الاستراتيجية الإسرائيلية، و من المعروف أن الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية تقوم على ثلاثة مرتكزات أساسية هي: التنبه الاستخباراتي للمخاطر، وردع العدو عن الهجوم، وحسم المعركة بسرعة فيما لو وقعت الحرب، ومن الواضح أن عناصر هذا المثلث من الأسس تتآكل عاماً بعد عام من مختلف جوانبه، فعلى سبيل المثال، فإن عنصر حسم المعركة بسرعة قد انتهى تقريباً إلى غير رجعة، وأكبر مثال على ذلك الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف العام 2006، والحرب الأخيرة على قطاع غزة في نهاية العام 2008 وأوائل العام 2009، ويلاحظ أي متتبع للأحداث أن القيادة في إسرائيل أخذت تتجنب الحديث حول مسألة حسم الحرب بسرعة، توافقاً مع نتائج حربي لبنان وغزة المشار إليهما بعد أن اقتنعت بأن هاتين الحربين استمرتا طويلاً دون تحقيق أي نصر حاسم وواضح، ولكن هذا لا يمنع من القول إن البعض في إسرائيل يرى أن المشكلة لا تكمن في مثل هذه القناعة، بل في تغيير حقيقي في الواقع، أساسه أن الحرب لم تعد تُشن ضد دول، وإنما ضد كيانات أقل من الدولة، أما العنصر الثاني المتمثل بالردع، فقد طرأت عليه أيضاً تطورات وتغيرات كبيرة لا يمكن تجاهلها، حيث إذا كانت لم تقع حروب بين الدول منذ حرب تشرين الأول أكتوبر عام 1973، فقد وقعت حروب مع منظمات المقاومة، إلى جانب ذلك، فإن الردع الإسرائيلي لم يقف حائلاً مثلاً دون مواصلة دول المنطقة تعزيز قدراتها القتالية، ومساعدة أطراف المقاومة في فلسطين ولبنان عسكرياً وسياسياً، وهذا يدل على أن الردع الإسرائيلي لم يفلح في منع هذه الدول من مواصلة الحرب بأشكال متباينة وعلى جبهات أخرى،ويتصاعد السجال الداخلي الإسرائيلي إلى الذروة عندما يصل إلى مسألة الردع القوي للمقاومة ،أو ما يسميه الإسرائيليون الحرب مع الكيانات التي هي دون الدولة، مثل حزب الله وحركة حماس، حيث رأت دراسة نشرت في العدد الأخير من مجلة (تحديث استراتيجي) التي تصدر عن (مركز دراسات الأمن القومي) في جامعة تل أبيب، أن هناك مبالغة لدى كبار قادة إسرائيل في تحديد مكانة الردع في كل ما يتعلق بقوى المقاومة، وهناك سجالات بين بعض الباحثين ،وبعض هؤلاء المسؤولين الذين يتحدثون عن أهمية الردع في منع عمليات المقاومة في فلسطين، ولعل عملية الخليل الأخيرة التي قتل فيها أربعة مستوطنين هي مظهر من مظاهر المشاركة الجادة في هذا السجال حول الردع في إسرائيل، حيث أكدت أن الحرب على قطاع غزة لم تشكل رادعاً يمنع اتخاذ قرارات بتنفيذ عمليات داخل إسرائيل ويبدو من الواضح أن السجال سوف يتواصل داخل إسرائيل حول جدوى أي عمل عسكري أو سياسي أو سياسي وايديولوجي في تحقيق أهداف مواجهة التحديات هو اطمئنان هش، لا يقنع الإسرائيليين بأن مستقبلهم في فلسطين مضمون، وبعيد عن أي أخطار، كما تحاول بعض القيادات الإسرائيلية ترسيخه في أذهان مواطنيها، وهكذا فإن التطورات الجارية في محيط إسرائيل، والمنطقة بشكل عام، تثير تساؤلات عديدة حول مقومات نظرية الأمن الإسرائيلية المعروفة، وهي الانذار أو التنبه الاستخباري للمخاطر، والردع عن الهجوم، وحسم المعركة بسرعة التي اهتزت مؤخراً، أو حتى حول أي مقومات أخرى من تحالفات ومظلات أمنية جديدة، وبمعنى آخر فإن الوجود الإسرائيلي مهدد بالخطر، وتكفي هنا الإشارة إلى ما جاء في (التقرير الاستراتيجي السنوي) الصادر مؤخراً عن( مركز دراسات الأمن القومي) في جامعة تل أبيب، حيث أوضح أن ((إسرائيل تعيش مرحلة تتميز بتفاقم متسارع للمخاطر الأمنية والسياسية، وقد تدهور الوضع الاستراتيجي لإسرائيل في الآونة الأخيرة جزئياً بسبب تطورات وقعت في الحلبتين الدولية والشرق أوسطية، والتي ليس لإسرائيل سوى سيطرة محدودة على حجمها وعواقبها عليها، وجزئياً جراء الافتقار للرد المناسب من جانب الحلبة السياسية في إسرائيل على هذه التطورات، فحكومة إسرائيل المكونة من جهات سياسية ذات رؤية قطبية بشأن قسم من القضايا المركزية على جدول أعمالها، تتجنب بلورة سياسة دؤوبة ذات أهداف واضحة بشأن هذه القضايا، وبدلاً من ذلك اختارات تأجيل القرارات، أو تشتيت الضغط الدولي عن طريق خطوات جزئية)).