في صراعها للانتصار على التناقض التاريخي الذي تعيشه منذ حقبة من الزمن السينما الفرنسية بعض الاشرطة المميزة... مميزة لكنها ليست بالضرورة ممتازة الا انها تحمل نكهة الصراع الحاد المحتدم على اصعدة مختلفة وفلم موعد لا ندرية تيشينية جزء برهاني ساطع من إجزاء النيازك المتطايرة على غير هدى في سماء الصناعة السينمائية الفرنسية والواقع ان ردة الفعل التي لقيها هذا الفليم كانت متضاربة ومتغايرة كما لم يحصل منذ فترة حيال فلم فرنسي. والاسباب يمكن اختصارها في كون الفيلم اقرب الى الذوق الفرنسي بشكل خاص منه الى اي ذائقة آخرى كذلك يلعب الاحباط دوره المعيد في المسألة فالجمهور والنقاد في فرنسا على احر من الجمر لرؤية شريط كما يحلمون الى جوهرة الا ان الناقد الحيادي يستطيع الاحاطة بكل جوانبه دون التورط في خصوصيات الموضوع وانعكاساته المحلية. ومن هنا ، وعلى هذا الاساس سنعرض ونناقش فيلم موعد لا ندرية تيشينية قصة الفيلم تبدو بسيطة للوهلة الاولى فتاة ريفية بلغت الثامنة عشر فحق لها التصرف بحياتها كما تشاء غادرت منزلها وتبعت احلامها الى باريس حيث ارادت ان تصبح ممثلة للحب والمسرح موضوعا لحياتها غريزتها وحدسها يقودانها في الحياة مثل بحار هائم قرب الشاطيء الامنه فهي غير مهتمة لشيء يتبع للصدفة وتتعامل مع اللقاءات كل على حده حسب الحظ والطالع .. وفي طريقها ذات يوم وهي تبحث عن غرفة التقت شابا عاديا .. عادياً في تركيبه النفسي وطموحاته وعادته موظف لدى وكالة تعثر الناس على شفق بيروت وتتوطد بينهما صداقة ارداتها نينا جولييت ينيوش اخوية لكن يولو يقع في حبها وقعة في حبها وقعة سوداء ويكتشف في اعماقة عنفا وشراسة لم يكن يتوقعها. ويجد يولو(راديك ستانزاك) ان هذا الحب العاصف يكاد ان يحطمة فيتشدد ويحاول الخروج من المأزق لكن دخول صديقة الغريب على الخط مونتن (لامبرت ويلسون) يزيد في توقد صدره ويحول القصة باتجاهاتها المعقدة . كذلك تخرج القصة باتجاهاتها المعقدة كذلك تخرج الحبكة الدرامية من الواقعية الى الحلمية -الذهنية -السوريالية .فنحن اما شخصية اللامبالي ، اللااخلاقي ، المتهور ، الموهوب ، الموهوم ، المتدهور ، الحالك ، العاتي في عواطفة وافكارة انه ممثل فاشل . او مندفع الى الفشل بدوافع استهتاره الوجودي ، لا يأبه لشهرة او مستوى او قيمة . تؤدي به اقتحاميتة الى ولوج قلب نينا وحياتها كاعصار. وعلى الزغم من وقوعة اسيرها يحافظ على قياد السفينة ويتعامل مع اعنف اللحظات ببرود صاعق يجعل نينا مشدوهة . خائرة ويربك يولو فيلعثة ويستقص اعمق انفعالاته.ويقوم كونتن باخراج نينا من مسرحيتها المتواضعة ليدخلها في دوامة المسرح الرخيص حيث يقدموا رميو وجولييت باسلوب جنسي فاضح لاثارة الغرائز فحسب . الا انه يتورى في حياتها فجأة . في حادث اصدام ويتركها وحيدة فرنسية لكابوس وجوده حولها معها امامها خلفها حيثما سارت واينما ذهبت.هكذا ياخذ الشريط اتجاهات غريبا مقفلا يضعنا بين التصديق والهاجس دون ان يحل المشكلة او يكشف النقاب عن سر لعبة . حتى يطل الشخص الثالث سكروتلزلر(جات لوى ترانتينيات) وهنا نكشف ان المخرج ينوي كسر طوق الحدود الفاصلة بين الحلم والحقيقة . فالسينما كلها حلم والقواعد الموضوعة بقوة التراكم والذاكرة يمكن تبريرة دون الحاجة الى مبررر وما هو اندرية تيشينية يبقى على شبح الشخصية المفروض انها ماتت حيا يتعرف لا كشبح بل كجسم حقيقي . وفي المقابل ياتي من يسال عنه حقيقي وفي المقابل ياتي ويسال عنه ويقول انه عرضه واجبة وامن موهبته انه سكروتزلر المخرج الاتي من لندن لاعداد مسرحية روميو وجولييت كما كتبها شكسبير وكما يجب ان يراها المخرج الطليعي مع كامل الاخلاص للتراث والاسلوب المنهجية. وهنا ايضا دور الممثلة نينا . فيعطيها سكروتزلر خطا كبيرا لابراز مواهبها والصعود في قفزة واحدة من حضيض المسرح الرخيص الى اعرق الخشبات في باريس اي تحد وشبح كونتن يخيم فوقها؟واي حب تختار؟ حب الشبح ام الحقيقة الماثلة امامها في شخص يولو الذي عادت اليه مرهقة مستسلمة بعد دوار طويل ومخاض عسير؟بالطبع القصة معلقة في المطلق الى مالا نهاية . ومايطرحه اندرية تيشينية ليس حلا او مخرجا لمأزق الحب المستحيل او المسألة تحقيق الذات .الا ان معالجته مجمل هذه المشاكل الحيوية الكبيرة موضوع مناقشة لا يخلو من الدقة والصعوبة . ولعل ردة الفعل الباردة التي لقيها الفيلم من النقاد الاجانب (غير الفرنسيين) تحمل الف معنى ومعنى . فعلى الصعيد المحلي هنالك جراه الاختراق للمعهود في السينما الفرنسية جعلت النقاد الباريسيين يضعون امام عمل تيشينية اما الرؤية المتجردة فتدفعنا الى تحليل الفيلم دون خلفيات ولا مؤثرات جانبية.يبرر عمل تشينية مركبا الى حد الافتعال على الرغم من لجوئة الى كسر طوق الواقع ومنح القصة ابعاد غير منتظرة هدفها الدرامي تشكيل غطاء (سحري) لتهذيب الحبكة من مستلزمات تيشينية في هذا الشريط ان يربط بين السياق الواقعي للحددته وبين الهلوسة السينمائية التي بنيت على ذهن شديد الذكاء الا انه يخلو الى حد الجفاف من موهبة الشعر. وهي القوة الوحيدة القادرة .. من مثل هذه الاحوال . ان تلتقط التشتت والبعثرة لتمنح الفيلم قوة اقناع او؟؟ يفتقر اليها.صحيح ان تشينية عبر عن مقدرة ممتازة في ادارة الممثلين وتحميل مشاهدة اكثر ما يمكن من شحنات حرارية . غير ان السينما في النهاية، ككل الفنون قادرة على خيانة ادواتها حين تفرغ من مضمون جمالى . كما عند بونويل . او ثقافي نقدي كما عند بيرغمان ومن هنا الصعوبة القصوى التي تعترض السنمائيين الذين يريدون بأي ثمن الخروج عن المألوف قبل ان يتمرسوا مراسا كافيا في المألوف وفي جميع الاحوال يمكن اعتبار موعد موعدا موجلا لبزوغ فجر السينما الفرنسية من جديد وبعد طول انتظار.