في معرض تحليلنا للنصوص المتعلقة بتكوين المجالس التشريعية في قانون الانتخابات، نتوقف اليوم عند المادة (31) التي تنص على أن «يتكون المجلس التشريعي لكل ولاية من عدد الأعضاء المحددين في دستور كل ولاية.»، وهذا يعني أن لكل ولاية الحق في أن تحدد العدد الذي تراه وفق رؤاها وتقديراتها الذاتية، وبالتالي يمكن نظرياً لولاية ما، أن تسرف في هذا الشأن، فتقرر أن يضم مجلسها مائة عضو أو مئتين أو ثلاثمائة، وتورد هذا الرقم في دستورها، وبذا يكتسب الشرعية والغطاء القانوني، دون أن تملك أية جهة أخرى، تنفيذية أو تشريعية أو قضائية على المستوى الإتحادي، أن تعقب أو تراجع أو تتداخل في هذا الأمر. ü التبرير البديهي لهذه الحرية المطلقة، هو إعمال فلسفة الحكم اللامركزي الرامية إلى نقل السلطة للأطراف، ومنح الولايات صلاحيات واسعة للبت في شؤونها المحلية بعيداً عن هيمنة المركز، بيد أن هذه الحرية ينبغي أن تُضبط بضوابط ومعايير، وإلا تحولت إلى فوضى عارمة وترهل في الجهاز التشريعي وكذلك التنفيذي، لأن ذات الفلسفة يمكن الإعتماد عليها لزيادة عدد الوزراء والمعتمدين، كما حدث في ولاية جنوب دارفور، التي تضم أكثر من عشرين محلية، مقارنة بالعاصمة القومية ذات المحليات السبع! ü الإشكال الذي نُشير إليه، هو في الواقع نزاع حول تكييف النظام الإنتخابي على المستوى الولائي، وتحديد جهة الإختصاص فيه، هل هي السلطة الإتحادية ممثلة في المفوضية القومية للإنتخابات، أم هي السلطة الولائية مجسدة في حكومة الولاية ومجلسها التشريعي ودستورها الولائي؟، ورغم أن جداول الإختصاصات الملحقة بالدستور قد سكتت عن هذه المسألة، ولم ترد في كل الجداول أية إشارة للنظام الإنتخابي، إلا أن قانون الانتخابات في المادة «31» ، أحال الإختصاص في شأن تحديد عدد أعضاء المجلس التشريعي الولائي لدساتير الولايات. ü لقد وصل هذا النزاع إلى المحكمة الدستورية قبيل إجراء انتخابات 2010، عندما فاجأ دستور ولاية الجزيرة المراقبين بنصه على عدد «84» عضواً لمجلس الولاية، إسوة بمجلس تشريعي العاصمة القومية الخرطوم، مخالفاً بذلك عدد ال«48» عضواً المعمول بها في كل ولايات السودان، باستثناء جنوب كردفان، وعندما أُسقط في أيدي المفوضية القومية للانتخابات التي رتبت أحوالها واجراءاتها على مساواة ولاية الجزيرة بباقي الولايات، وأصرت المفوضية على موقفها؛ لجأت الولاية إلى المحكمة الدستورية، وكسبت الدعوى، لأن القانون ببساطة نص على اختصاص الدستور الولائي. ü لا أُريد أن أناقش- وأنا ابن الجزيرة- أحقية الولاية الثانية في السودان، من حيث الكثافة السكانية والموارد الاقتصادية، والبنيات التحتية، في أن تعامل معاملة ولاية الخرطوم، لكن الذي أرغب في التركيز عليه، هو إعتماد معيار قومي ثابت بموجبه يتقرر عدد أعضاء المجلس، خاصة في الظروف الاقتصادية الحرجة التي تواجه بلادنا الآن، وتقتضي التقشف وتقليل الصرف الحكومي والانفاق على مؤسسات الحكم، وذلك لا يتأتى إذا تركنا لكل ولاية أن تحدد عدد أعضاء جهازها التشريعي أو التنفيذي، وفق هواها. ü المسألة التالية والتي نختم بها حلقة هذا الاسبوع، ما جاء في شروط الترشيح لكل المواقع التنفيذية والتشريعية، من أن لا يكون المرشح قد أُدين في جريمة تتعلق بالأمانة أو الفساد الأخلاقي، ووجه الصعوبة هنا يكمن في حصر الجرائم المتعلقة بالفساد الأخلاقي، حيث أنه بالنسبة (للأمانة) يجوز أن نلجأ للقانون الجنائي، ونبحث في جرائم مثل السرقة وخيانة الأمانة، والتزوير، والإحتيال، واستلام المال المسروق، والامتلاك الجنائي والاحتيال والرشوة.. الخ، بيد أن الحال في شأن (الفساد الأخلاقي)، مختلف جداً.. هل المقصود الجرائم الجنسية، أو ذات العلاقة بالآداب العامة، وهل مجرد سوء الخلق يكفي، وما هو الخط الفاصل بين (الأخلاق) والقانون؟ هل الكذب الضار يدخل هنا؟ ü كل هذه التساؤلات مشروعة، لأن القانون الجنائي لم يعّرف (الفساد)، وبالتالي تجد لجان الانتخابات المنوط بها تطبيق النص صعوبة في إعماله، لأن عبارة ومصطلح (الفساد الأخلاقي) مطاطة.. وحمّالة أوجه، ويتباين توصيفها بين شخص وآخر، ومجتمع ومجتمع، لهذا نرى اغتنام أول سانحة تعديل للقانون، بضبط هذا الشرط وذلك بايراد الجرائم التي يرى المشرع أنها تنطوي على (فساد أخلاقي)، وإلى أن يتم ذلك، فسوف تفترض لجان فحص الترشيحات أن كل المرشحين أطهار وأنقياء إلى أن يثبت العكس!!