نتناول اليوم بعض الأحكام المتعلقة بالحملة الانتخابية، (الفرع الأول من الفصل الثامن)، ونبدأ بالفقرة الأولى من المادة (64)، والتي تنص على ألا تزيد فترة الحملة عن سبعين يوماً، ولا تقل عن ثلاثين، على أن تنتهي قبل بدء الاقتراع بيوم واحد، والسؤال الذي يبرز هنا يتصل بالجهة المستهدفة من القيد الزمني هذا (70-30 يوماً)، هل هي المفوضية أم الأحزاب والمرشحين؟ ذلك لأنه إذا كان النص يخاطب المرشحين فلماذا نقيد المرشح بحد أدنى لحملته الانتخابية بحيث لا يجوز له أن يديرها في أقل من شهر، فلنفترض جدلاً أنه لا يملك الامكانات، أو لأي سبب لا يرغب أو لا يستطيع أن يواصل الحملة المذكورة لفترة ثلاثين يوماً، فما هو المنطق في إلزامه بالحد الأدنى؟ أمّا إذا كان القيد موجهاً للمفوضية بحيث لا يجوز لها أن تُضّيق على المرشحين، بتقليل فترة حملتهم الانتخابية، فذلك أمر مقبول ومفيد، لكن هذا التفسير يحتاج إلى إعادة صياغة الفقرة المذكورة. ü النقطة الثانية، تتعلق بالفقرة (1) من المادة (65)، التي توجب على «كل موظف عام أو سلطة عامة، معاملة جميع المرشحين، والأحزاب السياسية على قدم المساواة، وبحياد تام، وبما يضمن تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بينهم اثناء الحملة الانتخابية». بداهة إنه لا خلاف على هذه الفقرة، والتي قصد منها ضمان حيدة السلطات العامة وموظفي الدولة، لكن ملاحظتنا الأولى على النص، أنه قَصّر هذه الحيدة على فترة الحملة الانتخابية، بينما المطلوب أن تكون الأجهزة والمؤسسات الحكومية محايدة عبر كافة مراحل العملية الانتخابية من اقتراع وفرز وعد واعلان النتائج، بل وقبل ذلك عند توزيع الدوائر والتسجيل. ü والملاحظة الثانية، تتمثل في الصعوبة العملية للتمسك بالحيدة التامة على مستوى الأجهزة والمؤسسات القاعدية، مثل اللجان الشعبية والمعتمدين، الأقرب بطبيعة الحال للحزب أو الأحزاب الحاكمة، والذين يملكون القدرة على التأثير الكبير على مجريات الأمور، وأذكر في هذا الصدد الدور الخطير الذي قام به معتمد سابق بإحدى ولايات الوسط ابان الانتخابات الأخيرة لصالح أحد المرشحين من اقربائه وحزبه، والذي وصل درجة تهديد المخالفين من مؤيدي المرشحين الآخرين، واستغلال نفوذه السياسي والاداري بل والأمني بصورة فاضحة وغير أخلاقية، وهذا التحيز غير المقبول، لا يمكن التحوط له بالنصوص فقط، لأنه يتم في الخفاء، ولا يمكن اثباته في كل الأحوال بالأدلة والشهود، لا سيما وهو يرتبط بمدى عمق الروح الديمقراطية وتغلغلها في النفوس وفي المجتمع. ü ولقد كان الخوف من تدخل المعتمدين في الانتخابات، واحداً من مبررات المطالبة بعودة نظام المحا فظين السابق، والذين كانوا جزءاً من الخدمة المدنية، والسلك الادا ري، يتمتعون بمهنية واحترافية عالية بحكم عدم انتمائهم- المعلن على الأقل- لأية أحزاب أو توجهات سياسية. ü ومن النصوص الجيدة في قانون الانتخابات، تلك المنظمة لاستخدام وسائل الاعلام العامة بواسطة المرشحين، وفق ضوابط تكفل العدالة والمساواة في توزيع الفرص وفي مداها الزمني، وفي أوقات بثها، (المواد 65-66)، لكن المشكلة تتعلق بالاعلام الخاص، من صحف وقنوات، ومحطات اذاعية، وهي في احيان كثيرة تنافس- إن لم تتفوق على- الاعلام الحكومي من حيث الانتشار والتأثير، فكيف اذن نضبط هذه الآليات، وكيف نحيّد عنصر المال والامكانيات، حتى لا يكون الأوفر مالاً هو بالضرورة الأعلى صوتاً والأصدق حديثاً؟ ü نواصل في الاسبوع القادم بمشيئة الله