ينتابنى حنين دافق وشوق لا أجد تبريراً له، لدار حامد وديار المجانين وديار الكبابيش في الشمال الرملي من كردفان والممتد من فتاشة في غرب أم درمان وحتى الأبيض المدينة التي شاخت، وذبلت، وأخذت تحتضر منذ سنوات طويلة، لكن المدن لا تموت مهما بلغ بها المرض والتعب، وتنكر لها الأبناء وحملوها إلى دار العجزة والأيتام!! الحنين لدار الرياح ربما أسبابه الخاصة حينما كانت تلك الديار نطوفها قاصدين أم درمان، أو عائدين لديار الأهل والعشيرة والمحبوبة.. قرى صغيرة محزونة بالنكد والعطش.. رجالها إما مهاجرون عبر الصحراء إلى ليبيا، أو عمالة غير مهرة في الخرطوم والمدن الكبرى، والنصف الآخر يمسك بتلابيب الأمل يرعى الإبل والضأن.. أم قرفة.. جريجخ.. أم سيالة.. أم كريدم، حيث المحكمة الشهيرة لزعيم دار حامد التي تغنى بها غير الجالسين على أقفاصها «الغالي تمر السوق لو قسموه ما بحوق» «زولاً سنونو بروق في محكمة زانوق»، ومئات القرى التي تتوزع في الرمال وبين الأودية الموسمية تزرع السمسم والذرة والبطيخ . ü 24 ساعة هي المسافة بين الأبيض وأم درمان، يقطعها البص النيسان وهو يئن من وطأة الرمال، وثقل الأحمال، حتى جاء لكرسي مالية السودان د. بشير عمر فضل الله في حقبة التعددية الأخيرة، واستدان من الصناديق لإنشاء طريق كوستي-الأبيض، لتصبح المسافة بين الخرطوم وعاصمة كردفان 8 ساعات فقط، لطريق طوله 700 كلم، ود. بشير عمر ظلمته الصراعات السياسية، ولم يجد الإنصاف، لأن مناخ المشاحنات والصراعات تُجنبت فيه الموضوعية في الحكم على الأشياء. في حقبة وزيرين المهندس عبد الوهاب عثمان الذي كسبه السودان، حينما خسرت ولاية الخرطوم بغيابه، والوزير الآخر على محمود وزير المالية في هذه الحقبة أعلن رسمياً الأسبوع الماضى عن توقيع اتفاق لربط أم درمان بالأبيض من خلال طريق يبلغ طوله 341 كلم، ويجمع قرى أو شبه مدن جبرة الشيخ، أم قرفة، جريجخ، بكل من العاصمتين القومية في الخرطوم، والولائية في الأبيض، وبكلفة مالية تبلغ 231 مليون دولار أمريكي مقدمة من جمهورية الصين، لكن يظل التوقيع الذي شهدته مباني وزارة المالية الأسبوع الماضي حدثاً إعلامياً في انتظار دفع المالية لمقدم العقد 10% حتى نشاهد الحديد الأصفر يشق الرمال، والقلابات تنقل الخرصانة، لبداية طريق يجعل المسافة بين الأبيض وأم درمان فقط ثلاث ساعات، تتناول قهوة الصباح بمنزلك في الجريف، ووجبة الإفطار في حي فلسطين في الأبيض، ووجبة الغداء في الضعين، إذا ما فكر علي محمود وقدر في أهمية طريق إنقاذ لدارفور بديل للطريق الصحراوي الذي تقل جدواه الاقتصادية وترتفع أسهمه السياسية. قرأت في وجوه قيادات كردفان التي شهدت حفل التوقيع الأربعاء الماضي الرضا والابتسامات الداخلية، والتهاني التي تبادلها الوزراء ومن يقف خلفهم، وحكومة ود زاكي الدين التي لم تفرح بإنجاز يحسب لها منذ مجيئها قبل شهور، لكن أن تفرح متأخرة خير من أن تظل حزينة تطأطيء رأسها خجلاً من شعبها المحزون!!