نعم ما زلنا وما زال الوطن وما زال الشعب يعيش أعياد ذكرى الاستقلال المجيد.. وما زال سماء الوطن تجلجل فيه أناشيد اليوم نرفع راية استقلالنا وما زلنا نجتر في فرح ذكرى أيام غابرة.. وما زلنا وبعد ثمانية وخمسين عاماً نغني لكرري التي تحدث عن رجال كالأسود الضارية.. وما زلنا نهتف ملء أفواهنا.. انهم حطموا كتل الغزاة الباغية.. وما زلنا ننشد للنهر الذي طفح بالضحايا بالدماء القانية.. وما زلنا نكذب ونغالط التاريخ الذي لا يغفو ولا ينام انشاداً مدوياً وكيف انه ما لان فرسان لنا بل فرّ جمع الطاغية.. ويا أحباب إن جيش الطاغية لم يفر بل تقدم كتشنر السردار بجحافله حتى اجتاح امدرمان وأقام حكماً في السودان استمر ثمانية وخمسين عاماً.. ثم توكأ ذاك الاستعمار على عصاته ورحل.. ليس بحرب عصابات.. ولا بمواجهات دموية ولا بمعارك وقتال وحشي ولا يقل لي أحد وماذا عن تظاهرة اللواء الأبيض بقيادة البطل علي عبد اللطيف.. ونجيب.. كانت تلك المعركة القصيرة والدموية والتي لم تتعد ساعاتها «الاربع وعشرين ساعة» رفضاً وبالسلاح لطرد القوات المصرية من السودان.. أما الاستقلال فقد جاء بالمقاومة الناعمة المتحضرة.. والمفاوضات المضنية داخل الحجرات المغلقة.. بتجمع أندية الخريجين.. بالأشعار والغناء.. وكل مواطن سوداني له «فتلة» في ديباجة علم الوطن الجميل.. كانت هناك بصمة ساطعة من روح وعصب ودم «خليل فرح» كانت هناك «فتلة» أتى بها من عطبرة العطبراوي.. وحتى «فوز» لها سهم في ذاك الاستقلال ويشهد على صالونها الذي كانت تتدفق منه منشورات المقاومة.. أنا يا أحبة أفرح باليوم الأول من يناير من كل عام.. ولكن الأسى يمزقني ويفري كبدي عندما أرى الوطن مسمراً ومسجوناً في ذاك اليوم الذي رفرف فيه علم بلادي على سارية القصر.. لهذا ومن أجل هذا.. أنا ابداً وفي ذكرى أعياد الاستقلال أدير أشرطة تحكي عن السودان في غابر زمان ذاك البديع.. استمع في أسى لروعة الملاحم !! وكيف كان السودان أول دولة تتحرر من ربقة الاستعمار الغاشم.. كان السودان معبراً لجحافل وكتائب الثوار الذين كانوا ينشدون الحرية.. وها هم يصنعون أوطاناً تتقدمنا بأميال وفراسخ رغم أنهم قد جاءوا بعدنا تحرراً واستقلالاً.. وبالله عليكم أرحلوا مع وردي وإسماعيل حسن بل اجلسوا منصتين وهما يتحدثان عن الوطن في ذاك الزمان والوطن الآن.. وما اشبه الليلة بالبارحة.. وانشدوا معي مع ذاك الثنائي البديع.. أنا إفريقي حر.. أنا جزائري حر يا بلادي.. يا بلاد الشمس يا أرض العرايا الطيبين سرقوك نهبوك من سنين وسنين وبنوك يا بلادي في البوادي كادحين كم طريد كم قتيل كم سجين أنا أفريقي حر والحرية في دمي سوف أحطم الأغلال مهما كمموا فمي حطموا الغابات غدراً بالدماء شردونا تركونا في العراء تركونا دون قوت دون مأوى أو كساء واستباحوا يا بلادي دم كل الشرفاء أنت أمي يا بلادي أنت لي أغلى حبيبة سوف نمضي يا بلادي في روابيك الخصيبة سوف يعلونا العلم راية النصر الخضيبة