شهد الاسبوع الماضي واحدة من أشرس المعارك الإنتخابية المهنية، ونعني بها إنتخابات نقابة المحامين، والتي جرى الإعداد لها منذ أشهر عديدة، وصاحبها توتر وتحفز واستقطاب حاد، وانتهت بفوز كبير لقائمة المحامين الوطنيين، وبتتويج الاستاذ الطيب هرون نقيباً للمحامين السودانيين خلفاً للدكتور عبد الرحمن الخليفة. ü وكما هو معروف، فقد درجت القوى السياسية منذ وقت طويل، على إيلاء هذه الإنتخابات أهمية قصوى، والإعتناء بها عناية تليق بهذه الفئة من النخب السودانية المتميزة والمستنيرة، والتي ارتبطت بحزمة من القيم الرفيعة، كالعدل، والحق، والمساواة، وتثبيت المباديء السامية، كسيادة حكم القانون، وإستقلال القضاء، وصيانة حقوق الإنسان، والشفافية والحكم الراشد. ü والآن، وقد توقف اطلاق النار، وأصبح «كل شيء هاديء على الجبهة الغربية»، وبعد أن انجلى غبار التنافس، وإنتهى الأمر، كما ينتهي كل سجال بفوز فريق على آخر، يتعين تصويب النظر إلى الأمام، ونسيان التناقضات الثانوية بين أطياف قبيلة المحامين، والسعى معاً نحو مجابهة جملة من التحديات التي تواجه مهنة المحاماة والقانون بشكل عام، فضلاً عن الإسهام في التصدي للقضايا القومية الكبرى، مثل تحقيق السلام، والوحدة الوطنية، ورفع مستوى الوعي العام بين أفراد الشعب، وعميق الثقافة الديمقراطية، وقيم التسامح والقبول بالرأي الآخر، واستيعاب التنوع الأثني والديني والفكري، وتوسيع قاعدة المشاركة. ü إن أمام الأخ الأستاذ الطيب هرون فرصة تاريخية، لإحداث ثورة في طريقة إدارة وقيادة نقابة المحامين في المرحلة القادمة، وإنجاز دورة متميزة حافلة بالمكتسبات والنجاحات. ü بيد أن الطريق إلى هذه الغايات، ليس سهلاً أو مفروشاً بالورود والرياحين، ويتطلب العبور إلى الضفة الأخرى، الإلتزام بخارطة طريق تحكمها معالم ومباديء واضحة، ما يقتضي ذلك تجرداً وتنازلات مقدرة، وصبر ومثابرة، وسعة صدر، وسمو فوق الصغائر. ü وإذا جاز لي أن أتقدم ببعض الأمنيات، ولا أقول التوصيات، فإن أوجزها في الآتي: ü أولاً: من الأهمية بمكان، الإلتزام بما صرح به الأخ النقيب عقب فوزه، من أنه سوف يكون نقيباً للجميع من أيدوه ومن ناصروا غيره، وهذا يعني أن يكون نقيب المحامين- رغم خلفيته الحزبية- شخصية قومية، وأن ينأى بنفسه عن أي تحيز حزبي صارخ لصالح من ساندوه، وأن لا يزج بنفسه في متاهات النشاط الحزبي، وأن يركز على السمة المهنية والقومية المفترضة في شاغل موقع نقابي رفيع كنقيب المحامين. ü ثانياً: المعروف عن الأخ الطيب هرون إلمامه الكبير بملفات حقوق الانسان في السودان، ولقد زاملته في الكثير من المحافل المحلية والدولية، وادرك فهمه العميق لتفاصيل هذه الملفات، والمطلوب منه الآن السعي بكل قوة لتوفير حماية أكبر وصيانة لهذه الحقوق، والوقوف بكل حزم أمام أية انتهاكات وخروقات من أية جهة جاءت، وأن يتم تفعيل ودعم جهود مفوضية حقوق الانسان، التي تواجه الآن نقداً شرساً واتهامات بالعجز عن التصدي للانتهاكات المتواترة خاصة من الاجهزة الرسمية. ü ثالثاً: تتوقع الأوساط القانونية، أن تتزامن جهود النقابة في مجال تحسين المحامين وتهيئة بيئة العمل الصالحة، مع مساعي للحفاظ على اخلاقيات المهنة، والتعامل بحزم مع بعض الظواهر السالبة التي شابت السمعة الطيبة للمحامي السوداني في الآونة الأخيرة، من تمثيل لمصالح متضاربة، وتلاعب في التوثيق، وغلو في الأتعاب، وامتهان لاعمال لا تليق بكرامة المحامي، وتضليل للعدالة، من قبل قلة من الدخلاء على هذه المهنة. ü رابعاً: على الصعيد القومي، نأمل أن تسعى النقابة- كما فعلت نقابة اساتذة جامعة الخرطوم- لجمع الفرقاء السياسين، وتقليص هوة الخلافات بينهم، وأن تحاول النقابة لعب دور أكبر في عملية الوفاق الوطني، لا سيما وأن معظم الكوادر القيادية بالحكومة والمعارضة من قبيلة القانونيين. ü خامساً: اقترح أن تتبنى النقابة بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني الأخرى، حملة لمراجعة التشريعات ا لاساسية في البلاد والمكملة للدستور، وخاصة قانون الانتخابات والصحافة، والأحزاب، والأمن الوطني، والأحوال الشخصية، حيث أن التوصل إلى توافق حول هذه التشريعات من شأنه، أن يمهد لخطوات التوافق الوطني، هذا بالاضافة إلى الدستور بطبيعة الحال. ü ختاماً أتمنى للأخ الصديق الطيب هرون التوفيق في مهمته الصعبة- وليست المستحيلة- وما أعرفه عنه من اعتدال في المزاج، وهدوء في الطباع، وأدب جم في التعامل، وتفاني في أداء الواجب، يدعم وبقوة الآمال العراض التي عُلِّقت عليه، وبرفاقه أعضاء مجلس النقابة آلية (فريق العمل)، واشراك الآخرين في المسؤولية، ونزع عنه مسوح الحزبية والتزيأ برداء القومية الدافيء الفضفاض. ü ونواصل بمشيئة الله الاسبوع القادم