نّات كثيرة تسمعها وأنت في إقليم دارفور نتيجة إفرازات الحرب التي استمرت عقداً من الزمان لم تتوقف هذه الإفرازات على الوضع الأمني والصحة والتعليم، بل تغلغلت في النسيج الاجتماعي الذي أصبح أكبر مهدد لوحدة الإقليم وبمادرة من السلطة الإقليمية لدارفور انطلقت ورش السلم الاجتماعي في عدد من ولايات دارفور الخمس وبمدينة الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور اختتمت ورشة السلم الاجتماعي بالولاية التي استمرت لثلاثة أيام وناقشت «الصراعات القبلية في دارفور النشأة والأسباب ومقترحات الحلول» وأيضاً «الإدارة الأهلية أساليب تطويرها ودورها في فض النزاعات وتحقيق العدالة والمصالحات والأرض والحواكير واستخدامها في دارفور»، كما ناقش المخدرات والمعسكرات وأثرها على السلم الاجتماعي بغرب دارفور تمهيداً لمؤتمر السلم الاجتماعي المزمع عقده في الفترة من 16-17 بمدينة الفاشر، وشددت التوصيات التي خرجت بها الورشة على النظر في عملية السلم الاجتماعي بأنها عملية ديناميكية مستمرة وليست مؤقتة، بحيث تبدأ من الفرد وحتى المستوى العالمى.. ** وانتقد رئيس السلطة الإقليمية لدارفور د.التجاني سيسي أبناء دارفور لسلوكهم الذي أنساهم قضيتهم وقال إنهم أصبحوا يقتتلون من أجل تبؤ وتسلق المناصب سواء كانت لرئاسة السلطة أو والٍ لولاية أو عمدة على حساب أرواح أهلهم، وطالب أهل دارفور بضرورة وضع حد للفوضى التي تدور في الإقليم، ودعا الحركات بوضع السلاح والانضمام لوثيقة الدوحة، كما دعا أهل غرب دارفور للمحافظة على الوحدة ونبذ العنف وترك الخلافات والصراعات القبلية في الأراضي والحواكير، وقال «إن هناك جزراً في بعض الدول الأوربية صغيرة وولايات دارفور أكبر منها لذلك لابد من الوحدة حتي نعمر هذه الأرض». استباحة الأراضي السودانية: شدد المشاركون في الورشة على أهمية ضبط الحدود واتهموا دولة مجاورة بالقيام بعمليات تهريب، منوهين إلى أن المواد البترولية والسكر والسلع الاستهلاكية الأخرى يتم تهريبها من السودان، فيما يتم دخول المخدرات من تلك الدولة، وطالبوا الحكومة في توصيات الورشة بالعمل على ضبط الحركة فى الحدود مع دول الجوار ومنع الاختراقات واستباحة الأراضي السودانية وجعلها لتحقيق أغراض غير مشروعة وفض النزاعات وترسيخ مفاهيم التربية الوطنية الصادقة في نفوس الجميع ونشر ثقافة السلام وفرض هيبة الدولة وعمل آلية وخارطة طريق منظمة ومستمرة لنزع السلاح، مع تقنين الأسلحة الموجودة بحوزة الإدارات الأهلية وأن تقوم الدولة بالتدخل السريع لإيقاف أي نزاع قبلي في حينه قبل تفاقمه وإنشاء مجلس أعلى بالولاية لتوثيق الأعراف والتقاليد بالولاية والعمل على حث الحركات غير الموقعة على السلام للانضمام إلى عملية السلام وضرورة إنفاذ اتفاقية الدوحة على أرض الواقع من أجل تحقيق الأمن والسلام والاستقرار والتنمية المستدامة وإبداء حسن النوايا لتمكين عملية السلم الاجتماعي ومحاربة كافة أشكال الجرائم وإعادة النظر في مسألة الديات ومعاقبة المجرم وعدم حمايته من القبيلة وضرورة إخضاع الفدرالية لمزيد من الدراسة والتحليل والمراجعة. المخدرات في دارفور: أخذت قضية انتشار المخدرات في دارفور حيزاً كبيراً في المناقشات، وكشف المتحدثون أن المخدرات تباع بسعر زهيد جداً وتروج عند بائعات الشاي و«مديدة الباكمبا»، ومنها السائل والحبوب والبدرة ولها مسميات عدة «الطفل الهارب» وهي من أخطر الأنواع و«اسكراتش» و«سيكو» الأكثر تأثيراً و«الدقوا منو» التي تجعل من يتعاطها يصاب بحالة بكاء، و«جن وكر»، بالإضافة إلى أنواع من الحبوب تذهب بالعقل حسب الزمن قد تستمر أياماً أو أسبوعاً أو شهراً حسب رغبة المشتري، ودعت الورشة إلى إنشاء مراكز لتأهيل المدمنين وقاعدة بيانات للمخدرات مع الجدية فى ضبط الحدود بتكوين آلية قوية وتفعيل دور الشرطة المجتمعية لمحاربة انتشار ظاهرة المخدرات وتبني مشاريع كبيرة للشباب للحد من البطالة لملء الفراغ والمحاكمة الرادعة لتجار المخدرات وتفعيل قوانين المخدرات بالولاية وترفيع إدارة مكافحة المخدرات إلى قطاع. التسييس الخطر الفتاك: سياسة التمكين قبل الكفاءة انعكست بصورة سلبية على الخدمة المدنية وامتدت عاصفتها لتعصف بالإدارة الأهلية واشتكى المشاركون في الورشة من آفة التسييس وأوضحوا أن رجل الإدارة الأهلية يتم وفق أسس سياسية، وأبانوا أن ما تجمعه المحليات يوظف للعمل السياسي وليس الخدمي، وفي هذا الصدد أمنوا في توصيات الورشة على عدم إخضاع الإدارة الأهلية للإغراءات أو صور الاستقطاب السياسي، مع إعادة فتح المحاكم الريفية للإدارة الأهلية وإبعاد القبيلة من حيث التوظيف السياسي وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني فى آليات بناء السلام والتزام اليوناميد بالمبادرات التي تعزز السلام الاجتماعي والحوار والآليات التقليدية وتعزيز برامج التنمية بما فيها توفير الأمن الغذائي والبنى التحتية التى تعزز من عملية السلم الاجتماعي واستغلال الثروات الموجودة فى الولاية استغلالاً أمثل، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة إنشاء المصانع التحويلية الصغيرة وربط الطرق لإيجاد منافذ للتسويق. وفي سياق ذي صلة أكدت وزيرة الرعاية الاجتماعية والشباب والرياضة بولاية غرب دارفور المهندس سعاد صالح عبد الله أن ما جلس المناقشون من أجله لن يكون أوراقاً في أدراج، مشددة على أن توصيات الورشة لن تكون كسابق الورش والمؤتمرات. ويبقى الأمل في أن يعود السلم الاجتماعي لدارفور ولكن بين الحقيقة والواقع قد يحتاج الأمر إلى مجهود يفوق جهود السلطة الإقليمية ويتطلب تدخلاً سريعاً للدولة.