هل كتب الله على هذا الوطن أن يكون الخلاف هو الأصل والاتفاق هو النشاز؟، وإلى متى /إن جاز لي القول/ ستستمر هذه المراهقة السياسية، في ظل تفاقم الأوضاع المعيشية وتدهور الحياة العامة حتى وصل خلق الله إلى حالة من الزهد السياسي باعتبار أن كل ما يأتي من وراء أولئك النفر الذين امتهنوا السياسة، ما هو إلا عزف ماسخ على أوجاع الوطن.كيف لا ونحن لا نزال ندير امور حياتنا العامة بنفس الروح التي شبت شجيراتها من بذرة الخلافات العميقة بين الأحزاب بعيد الاستقلال، أو قل قبله بقليل حول كينونة الاستقلال نفسه، هل يكون بالاتحاد مع مصر أم بالاستقلال التام.وعلى الرغم من اختلاف المسميات وتواتر القيادات وتنامي الوعي بانتشار العلم والتعليم خلال عقود ممتدة، إلا أن شيطان التمادي في المشاكسة السياسية لحد الحروب التي طالت أرجاء واسعة من بلادنا لا زالت هي سيدة الموقف. أسوق هذا وفي ذهني تداول ما يسمى بالحوار الوطني الذي يكتنف الساحة السياسية هذه الأيام، كعنوان عريض لمعترك الحياة العامة التي لم تخلو من المماحكات الدائمة. وفي ظني أن هذا النهج الذي نسير عليه لن يوصلنا إلى بر الأمان بأي حال من الأحوال طالما تمترس الجميع تحت قناعاتهم في حدها الأقصى، غير مبالين بمآل البلد والمواطن الذي ظل يعاني طوال حياته من مآلات السياسة في السودان، في الوقت الذي لا تلوح فيه أي بوادر لاتفاق حول الحوار نفسه وما يحتويه من أجندة وموضوعات وقضايا، لأن شقة الخلاف لا زالت بعيدة بين الأطراف المتصارعة. وفي ظني، أنه إذا استمرت قناعات المؤتمر الوطني الحاكم بأن السودان أصبح ضيعة له إلى الأبد يسرح ويمرح فيها بخيلائه وجنده وزمرته، فهو مخطئ، وإذا تمسكت المعارضة أيضاً بأطروحاتها في حدها الأعلى وبشرذمتها في حدها الأدنى فهي أيضاً غير مصيبة، خاصة وأن سياسة الإقصاء لا زالت تعشعش في أذهان الطرفين، على الرغم أن لعبة السياسة لا تحتمل مثل هذا التعصب الأعمى. بحسبة بسيطة عن ماجناه الوطن طوال هذه العقود من تنافر سياسي لا حدود له، نجد أن الحصيلة أو النتيجة وخيمة، والأسوأ من ذلك أن في الأفق لا بوادر لأي حل يمكن أن يفضي إليه مثل هذه الحوارات التي هي أشبه بحوار الطرشان، بل ستظل سيمفونية الحوار ملهاة عبثية لمسرحية سيئة الإخراج لن يجني منها المواطن غير المزيد من المعاناة. وليتهم يهتدون بعد أن فقد هذا الجيل أي أمل في النجاة من هذه الدوامة التي طال أمدها، بما قاله أمل دنقل /ربما ننفق كل العمر كي نثقب ثغرة.. ليمر النور للأجيال مرة/. فاصلة:قديماً قالوا: الإنسان مطبوع على الخطأ، ولكن الأغبياء مطبوعون على التمسك به.