كنتُ حتى صباح الأمس وأنا في مدينة مرباط التي تبعد عن مدينة صلالة بنحو سبعين كيلومتر أو أكثر، كنت أشعر بنوع من الحزن الذي لا يكاد يظهر للعيان، بسبب أنني ومنذ أن بدأت زيارتي إلى سلطنة عمان بدعوة كريمة من حكومتها الرشيدة، لأكون ضمن المشاركين في الاحتفال بانعقاد مجلس عمان في مفتتح دورة جديدة يُخاطبها جلالة السلطان قابوس بن سعيد، أقول إنني ومنذ بدأت زيارتي لأراضي السلطنة، لم أقابل سودانياً واحداً، لذلك شعرتُ ببعض الأسى والحزن، متسائلاً بيني وبين نفسي أين نحن الآن في هذا العالم.. وأين نحن تحديداً في هذه البقعة الطيبة الأقرب إلينا ديناً ولغة وسلوكاً..! لم أر سودانياً في مسقط لأنني وصلتها ليلاً وغادرتها فجراً، وإن كنتُ قد شاهدت بعض الأسر السودانية في رحلة طيران الخليج التي نقلتنا من البحرين إلى مسقط، وبعد مغادرتنا إلى محافظة صلالة وانتقالنا مباشرة إلى منتجع جميل كان مقراً لاستضافة رؤساء التحرير والصحفيين والكُتاب المدعوين ليكونوا شهوداً على حدث سنوي يهتم به العمانيون كثيراً، وبعد وصولنا إلى مدينة «مرباط» حيث المنتجع وفندق «ماريوت» لم أصادف سودانياً واحداً.. فزادت حيرتي، وتساءلتُ دون أن أجرؤ على طرح السؤال علناً: (أين ذهب السودانيون؟). مساء أمس الأول ونحن نُلبي دعوة عشاء كريمة أقامها معالي وزير الإعلام العماني حمد بن محمد الراشدي، كنت أجلس مجاوراً لمدير الإعلام العماني ولمديري وكالة الأنباء العمانية وتلفزيون عمان، وحدث التعارف وأخذ الحضور الملتف حول المائدة المستديرة يتحدثون عن السودان والسودانيين في عمان، فطربت وسعدتُ وشعرت بالفخر الشديد لأن صورة المواطن السوداني هنا، صورة ناصعة مُشرقة وبرّاقة. صباح أمس توجّهت ضمن زملائي الصحفيين المدعوين من مختلف أنحاء العالم إلى مدينة صلالة، تحديداً إلى حي الشاطيء، ولنكون شهوداً على الحدث الكبير الذي يترقبه العمانيون كل عام، وهو خطاب جلالة السلطان قابوس بن سعيد، الذي يلقي خطاباً واحداً في السنة يرتبط بافتتاح دورة مجلس عمان، وهو مجلس مكون من مجلسين، هما مجلس الدولة الذي يُعينه جلالة السلطان قابوس بأمر سامٍ منه، ومجلس الشورى الذي ينتخبه الشعب في مختلف الولايات. وصلنا إلى صلالة، فكان أول من التقيه - ويا للسعادة - سفيرنا في سلطنة عمان، سعادة السيد جمال الشيخ بكامل الزي القومي جلباب وعمامة وملفحة وعباءة.. حييته وتعانقنا وسألته ذلك السؤال الحائر: (أين نحن هنا؟ وكم عدد السودانيين في سلطنة عمان؟).. علمتُ من سعادة السفير أن عدد السودانيين في عمان مع أسرهم يتجاوز العشرة آلاف أكثرهم في مسقط ومنهم نسبة مقدّرة في صلالة والبقية موزعة على أنحاء السلطنة.. وأن الأكثرية تعمل في وظائف ومواقع مرموقة، وأنهم الجالية الأقرب لقلوب العُمانيين، ومنهم من بلغت سنين إقامته في السلطنة أو تجاوزت الثلاثين عاماً.