بالأمس صرح نائب رئيس حزب الأمة القومي بأن حزبه لن يمضي في الحوار بعد خطاب الرئيس البشير في بورتسودان، وتصريحه برفض الحكومة القومية والذي فهم من خلاله الأمة القومي أنه لا قومية في انتخابات أو دستور، فيما قال اللواء فضل الله برمة ناصر متمسكون بمبدأ الحوار ولدينا خياران فشل ولن نقبل بفرض أجندة الآخرين وكلها تصريحات تؤكد أن الأمة القومي لا زال يتعامل بسياسة (أمسك العصا) من النصف. وقال بيان الأمة «رأينا أن اكتمال وحدة الصف بين المؤتمر الشعبي والوطني قلنا ونكرر إذا اجتمعا للعودة للمربع الأول الذي أذاق السودان عشر سنوات من التمكين والإقصاء والقهر فسوف نعارضهم كما فعلنا منذ البداية»، وذلك يعني أن الصادق أبدى خوفه من العودة لسياسة التمكين ونسي أن هذه الإصلاحات التي قامت بها الحكومة طوعاً لم يسبقها أحد على ذلك، لأن الحكومة اقتنعت بأنه لابد من التغيير الكامل وإلغاء سياسة التمكين وفتح الباب لكل الآراء طوعاً لا كرهاً، ولذلك فإنه من غير المعقول أن تأتي مرة أخرى وتقف ضده وتعود للمربع الأول. ويقول الإمام الصادق المهدي لا خوف من العودة لمربع التمكين لأنه خطأ تراجعت عنه طوعاً بعد أن ظلت عشرين عاماً وقررت إطلاق الحريات العامة، وحتى الحركات المتمردة رأت أن الطريق الوحيد لتجنب ثورة واضطرابات وذلك يعني أن الكرة أصبحت في ملعب الأحزاب والقوى السياسية الأخرى هل يثقون في وعود الحكومة بإطلاق الحريات ويمارسون حرية التعبير والتنظيم أم أنهم لن يقتربوا من هذه السياسة وفي هذه الحالة من المؤكد أنه سيعود الحال على ما كان عليه، ولتعلم الأحزاب أنها إذا كانت تخشى عودة التمكين باتفاق الشعبي والوطني، عليهم أن يصدقوا الحكومة وينتزعوا حقوقهم ويمارسوا حريتهم الطبيعية ولكن السؤال للصادق: هل تصدق الحكومة وإذا قدمت لك الدليل ستقبل أنت المشاركة؟.. وعلى رئيس حزب الأمة الإجابة على هذا السؤال خاصة وأن هناك مؤشرات تؤكد أنها جادة وقد أطلقت تصريحاتها وأبلغت مركز (كارتر) الأمريكي بأنها بصدد إجراء إصلاحات وتعلم تماماً الحكومة أن العالم كله يراقبها. وعلى الجانب الآخر هناك من يخشى أن يكون هذا التصريح لنائب رئيس حزب الأمة الفريق صديق إسماعيل ينهي شهوراً من الاعتقاد أن الصادق المهدي سيشارك في الحكومة القادمة وكان ذلك آخر مسمار في نعش هذا الاعتقاد بعد أن تمنى الكثيرون وحلموا بحكومة يقودها (رجل) كالإمام الصادق المهدي يحمل على كتفيه خبرة خمسين عاماً من المشاركة في الحكومة والمعارضة، وأن الإصلاح بما له من علاقات طيبة بالحركات المسلحة سيكون أفضل ضمان للمعارضة والحكومة معاً بأن تحالفهما سيستمر، والسؤال ما الذي دفع الإمام وجناحه لأن يعلنوا هذه الشروط للحوار ويتحدثوا عن بدائل حال فشله؟ الانطباع الأول يقول إنهم أحسوا بعدم مقدرتهم في الحصول على المقاعد الوزارية التي حلموا بها خاصة بعد ظهور مبارك الفاضل في الساحة واحتمال لجوء الحكومة إليه في التواصل مع الحركات المسلحة بعد أن أثبتت العشرون عاماً الماضية أن ليس للصادق المهدي نفوذ وكل ما يفعله هو اختيار مناسبات لإطلاق تصريحات لا يستطيع أحد أن يحدد إن كانت مع الحكومة أو ضدها، أي أن يلعب ويتلاعب على «الحبلين» والعسكر لا يفضلون الشخص الذي له أكثر من وجه حتى لو كانت لديه قاعدة جماهيرية عريضة ويرون أن من يقف معهم عليه أن يتحمل نتائج موافقته على المشاركة. العسكر يرون أن من يأخذ مخصصاتهم لا يهاجمهم وهذا لا يتفق مع أسلوب الصادق السياسي الذي يجعل (الباب) موارباً لا يغلقه كله ولا يتركه مفتوحاً ويحاول إرضاء كل الأطراف، وهذه حقيقة وتاريخ الإمام في الوزارة والمعارضة، وفي رأينا أن الحكومة في المرحلة القادمة تبحث عن مواقف حاسمة لبدء برامج التنمية المؤجلة وحسم التمرد نهائياً، ولذلك فإنه على الصادق أن لا يضيع على حزبه وعلى السودان فرصة إيجاد علاج شامل لكل علله.