دخلت على جدي لأمي (عبد الله) في مرضه الذي مات به اعيده واطمئن على صحته وسألته عن حاله وكيف أصبح اليوم فقال لي : (والله يا ولدي انا كويس وفي امان الله كان ختيت فلان ده وسماه فقلت له كيف؟ قال الزول ده بجيني مع الصباح ويسألني عن حالي أقول ليهو الحمد لله بخير يقول لي هسة بتشعر بى شنو؟ أقول ليهو والله مافي حاجة غير ضهري ده فيضع يده على ظهري ويضغطني مارا بالسلسلة ويسألني هنا؟ أقول ليهو لا هنا اقول ليهو بس آه آه ثم يرفع ايدو ويقول لي: دا الكتل أبوي ذاتو ويطلع يفوت وفعلا مات جدي بسبب ظهره كما مات أبوه والسؤال رغم ايماني العميق والثابت بأن أجل الله اذا جاء لا يؤخر وان المرء كما يقول الشاعر القديم: من لم يمت عبطة مات هرما ** وللموت كأس والمرء ذائقها هل مات جدي بسبب ظهره ام ان فلانا هو الذي قتله بعفويته وبساطته؟ فان العفويين من الناس يلقون بالعبارات التي ترد على ألسنتهم دونما نقد او روية لا يدركون ما تسببه من تداعيات في النفس فالخوف في النفس البشرية غريزة لا ينفك عنها مهما تسامت وارتقت الى مراتب الكمال فهو يلازمها ويخالطها وقديما قال حكيم ان مرضا نزل ببلدة قتل منها اربعين فقط ولكن الذين ماتوا بسبب الخوف منه مائة. وعموما هناك من الناس من يرسل كلمة ربما يود بها غير ما يعقب منها فتقتل مريضا بعد ان يزداد بسببها مرضا على مرض وضعفا على ضعف وبؤسا على بؤس حتى ينشب الموت اظافره فيه وقد كان في أمس الحاجة الى كلمة تخفف عنه ما يعانيه من آلام ورحم الله اسلافنا اذ كانوا يستأجرون من يقوم بدورطبيب يسمع المريض كلمات التأسي والتخفيف بل يجزم له بأنه سليم ليس به من شئ فترتفع معنوياته وتطيب نفسه فيرتد معافى عكس الاخرون فيقول الواحد (يا زول الحاصل ليك شنو؟ مالك بقيت كدا أو يقول (مالها صحتك ادهورت انت عيان ولا شنو او لازم تفحص او تعرض نفسك على دكتور انت ما شديد كلمات تختلف في ألفاظها لكن المعنى واحد فتقود السليم الى دائرة التوجس والتوهم فيلجأ الى المرآة يرى صحة ما يقولون او يستفتي من الناس من يطمئن اليه لكن الكلمة سرت في احاسيسه كما يسري السم الزعاف ومهما كان المؤمن وقوة ايمانه فان اثر مثل تلك العبارات حتمي والعيار اللي ما يصيبش يدوش كما يقول اهلنا المصريون وقد تظل الدوشة حتى تقضي عليه أما ضعاف الايمان والمعتقدون بأن المرض قاتل فهم اسرع الناس الى التماس الدواء وعلاج الطبيب كل ذلك وقائل الكلمة القاها ثم غادر لحاله غير آبه بما قال لا يدري بأنه بكلمته زاد المريض مرضا والمتجس توجسا وقد قال جبران خليل جبران: وقاتل الجسم مقتول بفعلته ** وقاتل الروح لا تدري به البشر فكم من روح اميتت بكلمة عابرة اطلقها عابر سواء بعفوية او بقصد قد اشقت وأماتت وكم من كلمة اسعدت واحيت فما اكثر الذين يقتلون الروح ويقضون على الأمل ويمضون لحالهم غير مكترثين بما يتركون من عناء وشقاء عاشه بشر مريض او مهموم انهكه ما بداخله من مشكلات ازمات في الحياة. عموما نقول عفا الله عما سلف وغفر لمن جنى على اخيه وأذاقه مرارة الحياة وبدل سعادته الى شقاء ولكن تعالوا جميعا سواء كنا من الذين فعلوها او ممن يتحاشاها لأثرها المميت تعالوا نفكر ف يما نقول قبل ان نقوله سواء لمريض او صاحب هم او غافل عما به اذا ما رأينا عليه ما انقص صحته او سعادته ولكن نسمعه كلمة تزيد فيه روح الأمل وتجدد عنده سعادة يعيشها تعالوا نحسن من كلماتنا ونملأها من اكسير الحياة او حتى ان لم نجد ذلك فلنصمت فان رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا او ليصمت (فلنساعد الناس بضبط الشفتين ان لم نجد ما يسرهم والكلمة الطيبة (بخور الباطن) كما يقول اهلنا وطبيب البشرية الأول صلى الله عليه وسلم يقول (الكلمة الطيبة صدقة) فلنبدل الأولى بالثانية ما وسعتنا الى ذلك الاستطاعة ولعل فيما كتبته الأستاذة نازك قبل ايام بهذه الصحيفة الغراء عن الكلمة الطيبة ما يشفي الغليل ويضع النقاط فوق الحروف يوضع هذه الكلمات في اطاره المقصود.