نكتب عن انتفاضة الشعب السوداني «بحب» ومن واقع «القرب ».. فقد كنا والحمد لله جزءاً من تلك الملحمة الشعبية التي سطرها الشعب السوداني في ثورة سلمية بيضاء رفعت شعارات واضحة لا لبس فيها أو غموض!! الغموض جاء بعد ذلك والسرقة تمت في الغرف المظلمة.. تسلل «حرامية الثورات» لدار أجمل ثورة شعبية سبقت كل الثورات العربية التي انتظمت المنطقة العربية بعد ربع قرن من الزمان. ثورة السادس من أبريل جاءت نتاج تراكمات ونضال قادته مختلف فصائل ومكونات الأمة السودانية ولكن الذي أشعل جذوة الانتفاضة هم طلاب جامعة أم درمان الإسلامية فقد تحركوا وأشعلوا فتيلة الأيام العشرة التي انهت نظام مايو! ومع ذلك فهناك من يقول إن إعدام الأستاذ الراحل محمود محمد طه شكّل البداية التي جعلت القوى السياسية تنتبه للخطر القادم ومن ثم جاء ميلاد التجمع النقابي والذي ضم نقابات من بينها اتحاد طلاب الإسلامية.. وهناك من يسند دوراً لعمال السكة حديد في عطبرة وهذا أيضاً صحيح.. وهناك من يقول بدور واضح لحزب البعث العربي الاشتراكي.. فهذه هي القوة الرئيسية والحقيقية التي قادت الانتفاضة!! أما أي حديث عن مشاركة آخرين مثل الإسلاميين فإنه لا يعدو أن يكون مجرد «دعاية سياسية» لا حظ لها في التاريخ خصوصاً وأنه تاريخ قريب وأغلب شهوده حضور!! اتحاد طلاب الإسلامية الذي قاد الانتفاضة كان نتاج «انتفاضة داخلية» مسرحها أسوار الجامعة.. ففي ذلك العام الذي سبق «6» أبريل فازت قوى التضامن الإسلامي على قوى الاتجاه الإسلامي.. وتتكون من أحزاب الأمة ومؤتمر المستقلين والاتحاديين والقوى الديمقراطية الأخرى بما فيها الجبهة الديمقراطية والتي ظهرت لاحقاًَ وباسمها العلني إبان الفترة الانتقالية!! عملت قوى الانتفاضة على التحضير الجيد لهذه الثورة وانتظمت الجامعة ندوات وليالي سياسية ومهرجانات.. منها الاحتفالات بأعياد الاستقلال والتي جاءت تحت شعار «عاش السودان حراً مستقلاً».. وكان الصادق المهدي هو المتحدث الرئيسي في تلك الندوة التي ضاقت بها جنبات دار طلاب الإسلامية بحي العباسية بأم درمان.. تحدث الصادق حديث الأبطال وهو القادم من سجون النظام وهتف الطلاب وتفاعلوا.. بل ضحكوا كثيراً عندما سأله طالب ما هو دور الإسلاميين في استقلال السودان.. فرد الصادق لم يكن لهم دور.. وضجت الدار بالهتافات ضد الاتجاه الإسلامي وضد مايو.. فكيف يكون من هتف ضده الطلاب في تلك الأيام «التحضيرية» جزءاً من انتفاضة أبريل.. خصوصاً أن هذه الندوة الشهيرة كانت في أواخر يناير من ذاك العام المجيد الذي ولدت فيه انتفاضة مارس أبريل! وجاء بعد شهرين الفنان سيف الجامعة ليغني لطلاب الانتفاضة ولاتحاد الانتفاضة في دار الانتفاضة بالعباسية «طبل العز ضرب ويا السرة قومي خلاص.. والسفاح شرد وساب البلد يا ناس»!! تلك حقيقة الثورة.. إنه التاريخ.