يوم الجمعة الماضي، قمت بزيارتين مهمتين بالنسبة لي، هناك رابط بينهما منحني الإحساس بأنهما مهمتان لغيري من الشركاء في هذه المساحة اليومية، وأقصد القراء الكرام.. الزيارة الأولى كانت بتكليف من زميلنا وصديقنا الصحفي الأستاذ عثمان المجمر، المقيم في العاصمة الفرنسية (باريس)، إذ طلب إليّ عبر محادثة هاتفية ألحقها برسالة أن أقوم بزيارة لعمه الفاضل الأستاذ المشرف مصطفى المجمر طه في السجانة، وهو تربوي قديم يدين له أبناؤه وتلامذته بأفضال كثيرة، وما كنت ملماً بعنوان المنزل، فجاء من رافقني إلى هناك وهو الأستاذ محمد رحمة عوض الله الذي يعمل بالتدريس في جامعة أم درمان الإسلامية ويعمل على إكمال بحثه الخاص لرسالة الدكتوراة. قمنا بزيارة الأستاذ المشرف مصطفى المجمر في منزله وتعرفت عليه وعلى أفراد أسرته الكريمة وقمت بإيصال الأستاذ أحمد رحمة إلى مسجد ومقر الطريقة العزمية ورأيت أن أقابل فضيلة الشيخ الأستاذ سيف الدين أبوالعزائم للسلام والتحية، وقد كان.. وهذا هو الرابط بين الزيارتين. في قاعة واسعة وبهو ضخم ملحق بالمسجد، جلس الشيخ الجليل الأستاذ سيف الدين أبوالعزائم وحوله عدد من أبنائه وتلاميذه ومريديه، وأكثرهم من الشباب المستنير المتعلم الذي إما تخرج في الجامعات أو ما زال يدرس فيها، ودار حديث طويل بدأه الشيخ الأستاذ الجليل سيف الدين أبوالعزائم بسؤال وجهه إليّ عن رأيي وانطباعاتي حول ملتقى الصوفية العالمي الذي أقيم قبل أشهر قليلة في منطقة (سيدي شيكر) بالمغرب الشقيق، فأجبت دون تحفظ بأن هذا الذي تم إن وجد اهتماماً مماثلاً من الحكومات المختلفة لشكل أعظم مظلة روحية إسلامية لحماية القيم والمفاهيم والمعتقدات، خاصة وأن عدد الدول الممثلة في ذلك الملتقى بلغ نحو الخمسين دولة.. وأشرت إلى أن بعض الدول تهتم بالطرق الصوفية لدورها المؤثر في بناء وتشكيل المجتمع مثلما هو حادث في بلادنا، وبعضها لا يهتم وربما يحارب وجودها، وحديث طويل.. متنوع ومتشعب. تحدث فضيلة الشيخ الأستاذ سيف الدين محمد أحمد أبوالعزائم عن منهج الوسطية في الإسلام وأشار إلى لقاءين شاركت فيهما مؤخراً بدعوة كريمة من الأخ الدكتور عصام أحمد البشير الداعية والمفكر الإسلامي المعروف، قدم خلالهما الدكتور (العوا) محاضرتين حول ذات الموضوع، وقد أشاد الشيخ أبوالعزائم بما قدمه الشيخ الدكتور العوا، وبتعقيبات الشيخ الدكتور عصام، وعرج على موضوع آخر لكنه ذو صلة بما سبق، وهو منتدى الطريقة العزمية الشهري الذي يعده ويشرف عليه أبناء وشباب الطريقة ويعلنون عنه من خلال الأسابيع القليلة القادمة، والذي سوف يعمل على تناول القضايا والمشكلات والحلول والنظر إليها من منظور علمي إسلامي، ولعمري هي فكرة مطلوبة تمنيت في قرارة نفسي لو أن مشايخ الطرق الصوفية وأكثرهم اليوم من المتعلمين وبعضهم أساتذة في الجامعات، تمنيت لو أن المشايخ ساروا على ذات النهج وفتحوا الأبواب أمام المنتديات العصرية خارج صحن المسجد حتى لا تأخذ شكل الدرس التقليدي، وناقشوا من خلالها قضايانا الحياتية المعاصرة وربطها بقيم الدين والحرية التي نطالب ويطالب بها الجميع. الآن أصبحت الطرق الصوفية تقوم على فلسفة واضحة ومحددة، أبرز ملامحها التأكيد على الحقوق العامة والخاصة، على اعتبار أن الحقوق والواجبات ليست إجراءً إدارياً تكفله القوانين أو الدساتير أو المواثيق، بل هي جزء من تركيبة البشر وقيمة فطرية طبيعية لا تستقيم حياة الإنسان إلا بها. وهناك أيضاً ركن أساسي في تلك الفلسفة يؤكد على أن الحق هو مساحة الحرية وفعلها، حيث لا يمكن تناول الحرية دون تناول منظومة الحقوق التي تعطي للإنسان معنى وجوده، إذ أنه يتصرف بناءً على إمكانية توظيف كتلة الحقوق بالطريقة التي يختارها في الإطار الجمعي طالما كان فرداً في منظومة المجتمع يعيش داخل محيط أو بيئة هي حيز حياته ومعاشه وممارسة شعائره بما يضمن صلاحه وصلاح غيره دون إفساد أو تعدٍ على الأفراد أو المجتمع أو البيئة.. ونرى بوضوح أن القيم الدينية والروحية تؤكد دائماً على العلاقة المتينة بين الحق والحرية وممارسة الفعل.. والله ورسوله أعلم.