انتظر طرفا الصراع في دولة الجنوب ساعات فقط لخرق اتفاق أديس أبابا بين الرئيس سلفاكير ونائبه السابق المتمرد رياك مشار، ليبرهنا بذلك وصف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أنها بداية لرحلة صعبة لاتفاق سلفا مشار بوقف إطلاق النار، وهو وصف أقل ما يقال عنه إنه دقيق لما يحدث في دولة الجنوب، كيف لا والاتفاق بين الطرفين لم يأخذ مساره التفاوضي الجيد، بل هو صنيعة لجنة الوساطة برئاسة الإيقاد دون أن يشارك الطرفان في عملية التفاوض حيث اكتفيا فقط بالقراءة والتوقيع عليه.. كان المجتمع الدولي أو بالأحرى الإدارة الأمريكية هي اللاعب الأساسي لبلورة دولة الجنوب عبر اتفاق نيفاشا 2005 وعملية الاستفتاء التي أفضت إلى الانفصال باعتقاده أن المستقبل أمام دولة الجنوب واعد، وأن الحركة الشعبية التي قادت الحرب ومن ثم الانفصال والجلوس على سدة الحكم قادرة على إدارة دفة الحكم غير أنهم تجاهلوا تركيبة الحركة الشعبية التي ضمت أعداء اتفقوا فقط على انفصال الجنوب.. وقد ظهر الصراع جلياً في يوليو من العام الماضي، عندما أطلق رياك مشار نائب رئيس دولة الجنوب آنذاك دعوة صريحة طالب فيها سلفاكير بالتنحي عن منصبه، وتعهد بالسعي أن يكون هو الرئيس في الانتخابات عام 2015، هذا التصريح نتاج لاحتقانات وخلافات عميقة بين الرجلين ظلت مكتومة منذ الانتخابات التي جرت في دولة الجنوب، حيث أقصى سلفاكير زوجة رياك مشار عنوة من قائمة الترشح لمنصب حاكم ولاية الوحدة مفضلاً عليها حليفه السابق تعبان دينق الذي أصبح في ما بعد عدوه اللدود وأحد أبرز المفاوضين بفريق رياك مشار، وتجذّر الخلاف بينهما داخل الحركة الشعبية وتمايزت الصفوف بإطلاق باقان أموم تصريحات غاضبة ومن ثم انتقل الصراع إلى قيادات عسكرية حتى وصل إلى مرحلة اتهام مشار ومجموعته القيام بمحاولة انقلابية فاشلة جرّت معها صراعاً دموياً خلّف آلاف القتلى وشرّد نحو مليون شخص بحسب منظمات أممية بالجنوب برغم أن الطرفين أخطرا المجتمع الدولي بتأكيداتهم الخضوع والجنوح للسلام من خلال اتفاقهما في أديس أبابا، إلا أن المفاوضات التي ترعاها الإيقاد ظلت بلا نتائج ملموسة، لأنها تنتهي بالهجمات واكتساح المدن، حيث دارت معارك طاحنة قبيل التوقيع استطاعت فيها حكومة الجنوب إعادة السيطرة على المشهد في دولة الجنوب. الطرفان ظلا يؤكدان رغبتهما في السلام لكن الواقع يشير إلى غير ذلك، فقد انتزعت الوساطة في يناير اتفاقاً لهدنة بين الطرفين تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى غير أن الاتفاق انهار قبل أن يبدأ، لكن الاتفاق الأخير«اتفاق الجمعة» يشير إلى أن ثمة أشياء حدثت وقد سبق زيارة جون كيري اجتماعه فيها بدسالين رئيس الوزراء الأثيوبي، ومن ثم اجتمع بوزراء خارجية كينيا ويوغندا، ثم طار إلى دولة الجنوب وأطلق تصريحات قال فيها إن الطرفين اتفقا على وقف إطلاق النار، واتبع ذلك بتهديدات لكل من يعترض وقف إطلاق النار، ما يؤكد بأن الاتفاق أمريكي الصياغة ووافقت عليه الوساطة كما أن الاتفاق يعد خطوة مهمة لإنقاذ الرهان الأمريكي عبر جنوب السودان من الفشل ويبدو أن دور الأمين العام للأمم المتحدة بأن كي مون هو إيجاد المسحة الأممية حتى لا يظهر الاتفاق معزولاً وإن كان مطلباً دولياً وإقليمياً ملحاً حتى من السودان.. فهل يصمد الاتفاق في ظل اتهامات صريحة متبادلة بين الطرفين توجت بخرق الاتفاق أو اتفاق الهدنة، وهي اتهامات يعتبرها البعض مؤشراً جديداً لاستئناف الطرفين القتال خاصة وأن مشار/ سلفا وقعا على الاتفاق دون أي محادثات أو مراجعات كما هو معمول به في العالم ولم يقفا على تفاصيل وقف إطلاق النار وينص الاتفاق الموقع بين الطرفين المتصارعين على تشكيل حكومة انتقالية تمهيداً لإجراء انتخابات جديدة لم يحدد تاريخها وفتح ممرات إنسانية والتعاون مع الوكالات الإنسانية والأمم المتحدة بقيمة إيصال المساعدات الإنسانية إلى كل المناطق في جنوب السودان.