ظللنا ومنذ زمان بعيد نغني وننادي ونقول عنها مصر يا أخت بلادي يا شقيقة وقال خليل فرح (مافيش ثاني مصر سوداني- نحن الكل أولاد النيل).. وهذه حقيقة تؤكدها علاقتنا الطيبة بشعب مصر وهم أبناء شمال الوادي، ونحن جنوبه.. وهكذا نسمي أنفسنا ومن هنا نحن لا نريد أن نتحدث عن علاقات الحكومات بعضها ببعض بل نريد أن نتحدث عن علاقات الشعبين السوداني والمصري.. وعلى مدى التاريخ فهناك علاقة حميمة واحترام ووجود وود لم ينقطع رغم تعدد الحكومات.. والشعب السوداني يحفظ لمصر الكثير لما قدمته له وخاصة في مجال التعليم.. فقد تخرج من جامعات جمهورية مصر العديد من السودانيين وخاصة من جامعة القاهرة فرع الخرطوم وكذلك مدارس المرحلة الثانوية والإعدادية على مستوى السودان، قد كانت تستوعب العديد من أبناء السودان.. وهناك أعداد من أبناء السودان الآن يملكون السكن في مصر وآخرون كثر يقصدون العلاج بها أكثر من غيرها.. لأننا نطمئن لأهلها وشعبها.. والسوداني دائماً لا يشعر بالغربة في مصر وكأنه في وطنه.. ونكرر القول بإن علاقاتنا بشعب مصر طيبة طيبة ولا نريد من أهل السياسة التقليل منها ولا محاولة تشويهها.. أما أمر حلايب فهذا حق وبالقانون يمكن أن يحسم.. والحكومات ما قبل الإنقاذ لم تهمل فيه وظلت تحسمه.. فلا نريد مزايدات واستغلال لقضية حلايب والآن نحن بصدد أفراح شعب مصر ونرى من الضروري للشعب السوداني أن يفرح بإفراح شعب مصر والحقيقة التي يجب ألا نكابر بها بأن الشعب المصري في حالة فرح غامر لأنه استطاع أن ينتصر وأن يحقق رغبته في إبعاد نظام حكم لم يطل زمانه وفشل في تحقيق تطلعاته ورغباته، وقد كان هناك إصرار قوي بإبعاد هذا النظام وقد ضحى الشعب المصري بأرواح الكثيرين من أبنائه ولم يستسلم وصمد صموداً جباراً حتى حقق الله له النصر.. والذي حدث في مصر من إنتصار قد كانت هي أمنية ورغبة الأغلبية الغالبة.. ولكننا نرى وبكل أسف هناك بعض المنحازين للتيار الإسلامي في السودان يرفضون هذا الانتصار ويقللون من قوته ونتائجه بل ويصفونه بأوصاف لا صحة فيها ولا حقيقة وأكبرها بهتاناً صفة التزوير لنتيجة الانتخابات، والأمر الواضح بأن الشعب المصري قد رفض حكم الإسلاميين لأنه قد أثبت فشله وأن الله قد نصره.. ونحن نخشى من هذا التيار الرافض لانتصارات الشعب المصري.. وخوفنا يأتي من حرصنا المحافظة على العلاقات مع شعب لا فكاك من تقوية الروابط الأزلية معه.. ولا نريد من مرارة الهزيمة التي حدثت للإسلاميين في مصر ودفعتهم لإزهاق العديد من أرواح إخوانهم من الشعب المصري.. ألا تدفع الإسلاميين في السودان.. وخوفنا على أنفسهم بأن يصلوا درجة هذه المرارة لأن الذي حدث من رفض للإسلاميين في مصر قطعاً سيلحق بأخوانهم في السودان هذا إذا لم يكن قد حدث فعلاً وهذه حقيقة يجب ألا تكون غايبة عليهم ولكن يوجد اختلاف في طبيعة الشعبين في التأثر والإنفعال بالذي يحدث بينهما.. وطبيعة أهل السودان تختلف عن طبيعة الشعب المصري.. ولكن ومهما كان الإختلاف فإن الشعب السوداني قد وصل درجة الرفض لحكم الإسلاميين قبل أن يصل الشعب المصري له لأن التجربة في السودان قد سبقت وقد تكررت الصورة هنا وهناك وكان أهل السودان قد استجابوا مؤيدين لانقلاب الجبهة ا لإسلامية عام 1989م لأسباب أهمها سوء الأوضاع الحزبية في تلك الفترة وما حدث من خلافات بين الأحزاب أضرت بمسيرة الوطن وقد كان التأييد رغبة في التغيير إلى الأحسن وخاصة وأن الانقلاب لم تعرف هويته وجاء تحت غطاء الدعوى بالاصلاح وسميت الحكومة بالانقاذ وكان هناك نوع من التضليل للأبعاد الحزبية التي كانت مرفوضة في تلك الأيام وقد اتفق زعيم الحركة الشيخ حسن الترابي مع قائد الانقلاب المشير عمر ا لبشير بأن يذهب الأول إلى السجن، ويذهب الثاني إلى القصر.. والسبب الثاني هو تأييد تلك الروح الإسلامية والتي لمست الإيمان القوي بالقصيدة عند أهل السودان .. حيث كانت هناك شعارات إسلامية لها تأثيرها القوي لانحياز الشعب السوداني للنظام الجديد تأثراً بعبارات لا ولاء لغير الله ولا تبديل لشرع الله واستمر التأييد لنظام الانقاذ ولكنه تراجع كثيراً عندما تغير نظام الجبهة الإسلامية ورفع شعار الحزبية واستبدل نظامه بالمؤتمر الوطني.. وتغيرت خريطة النظام وظهرت الحقيقة من إنقلاب عسكري إلى نظام شمولي تحرسه البندقية بجانب القبضة الأمنية الباطشة والتي جعلت من المواطن السوداني تابعاً لا يسمع ولا يرى إلا ما يريده النظام، وإذا لم يفعل ذلك فهو معارض ومصيره المعتقلات أو الإحالة للصالح ا لعام، ويفقد بذلك سبل العيش، وصار التأييد بالإكراه ومن أجل الحفاظ على قوت المواطن اليومي وفي هذه السنوات العصيبة والتي طالت ظهرت حقيقة هذا النظام الإسلامي بانحيازه التام لمؤيديه كما فشل في وعوده بالإصلاح وظهرت الصراعات من أجل السلطة وإنتفى شعار هي (لله ولا للسلطة ولا للجاه) ثم أطاحت الصراعات بزعيم الحركة الإسلامية الشيخ حسن الترابي .. وتنصل عدد من المؤيدين لحزب المؤتمر الوطني.. ولم يتبقى إلا المطبلاتية واصحاب المصالح الخاصة، وقد وصل الإسلاميون بحال الوطن إلى ما نشهده الآن من صراعات وحروب والتدهور الاقتصادي والأمني.. والشعب السوداني يتمنى أن يذهبوا بالحسنى وبالطريقة السودانية، وليس الطريقة المصرية العنيفة.. وكذلك فإن من سرقوا ثورة الشعب المصري في الثلاثين من يونيو هم كذلك الإسلاميون، ومن خلال الحكم بتخليصهم من حكم حسني مبارك أيدوا حكومة مرسي وهي كما أسلفنا قد كان يسيطر عليها الإسلاميون وقد أثبتوا في فترة قصيرة فشلهم التام، ولكن الشعب المصري قد كان معهم جاداً وحاسماً ولم يعطهم الفرصة التي وجدها نظام الحكم في السودان ليحكموا ربع قرن من الزمان .. وربما تزيد هذه المدة في السودان طالما نرى أساليب التخدير والمماطلة بما يسمى بالحوار.. ولا ندري إلى أين..؟ وإلى ماذا يقودنا هذا الحوار..؟ ولم يتبقى من الانتخابات إلا عدد من الشهور ولم نسمع عن المؤتمر الوطني بقبوله عن أي صيغة من الاتفاق تبعدهم عن كراسي الحكم لاقامة الفرصة لانتخابات حرة ونزيهة.. والسودان لازال يراوح مكانه ولا نسمع حديثاً إلا عن الحوار والذي نأمل أن يقودنا إلى سبيل تحقيق الديمقراطية التي يبحث عنها أهل السودان. ونقول إننا ومها أردنا التغيير وتطلعنا له فإننا لا نريده أن يتحقق بالإسلوب العنيف الذي يؤدي لازهاق الأرواح.. بل نتمنى للشعب السوداني وضعاً توافقياً يبعدنا عن كل ما يقودنا إلى خلافات .. ونتمنى من الله أن يبعد عنا حكم الإسلاميين كما أبعده عن الشعب المصري.. وأن يوفقنا إلى نظام ديمقراطي يتصدره نفر من أبناء السودان المخلصين. بعيداً عن من جعلوا من السياسة والحكم سبيلاً للتجارة والإرتزاق وأن يكون همهم خدمة الشعب والإخلاص للوطن ونفوذ... لنجدد التهنئة للشعب المصري والذي استطاع أن يوحد كلمته، ويقوي عزيمته، وأن يبعد الإسلاميين عن حكم مصر.. وأعتقد بأن انتصارات القائد ستعود بالخير والفائدة على عامة الدول الإسلامية لترفع على الدوام الشعار الرافض الذي يقول بالصوت العالي.. لا لاستغلال الدين من أجل الحكم.. وأننا نرفض تصنيف المسلمين لا في مصر ولا في السودان، وليس هناك مسلم درجة أولى وآخر درجة ثانية وكلنا ندين بالإسلام ونرفض هذا التميز، وهذه التسمية التي تفرق ولا تجمع، ولنتمسك بقوله سبحانه وتعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وليكن الفرق بين المسلم والآخر بالتقوى فقط وليس بغيرها... وختاماً أكرر التهاني للشعب المصري العظيم بفوزه وانتصاره.. ونتمنى للرئيس الجديد التوفيق بتحقيق أماني وآمال شعبه وأن يوفق أهل السودان إلى حكم يرتضونه ويصلح من حالهم في دينهم ودنياهم.