تتشابك المصالح بين السودان ومصر فى كثير من القضايا فى الفترة المعاصرة بحكم علاقات الجوار والعلاقات التاريخية بين البلدين و ربما تكون العلاقة ضاربة الجذور منذ الممالك التاريخية القديمة و لكن حسب المعارف المصرية و كتب التاريخ الصادرة من دار المعارف المصرية ان العلاقات المصرية السودانية تبدا قرأتها منذ احتلال قوات اسماعيل باشا السودان عام 1921 و سيطرته على جميع الممالك و المشايخ التى كانت منتشرة فى السودان فى ذلك الوقت و توحيدها تحت التاج المصرى و هذه لم تكون فقط على كتب التاريخ المعاصر انما حتى فى دفاتر و مخيلة النخبة المصرية و لكن فى مبحثنا هذا نحاول التركيز على العلاقات المعاصرة و خاصة فى ظل حكومة الانقاذ التى شهدت صعودا و هبوطا بحكم تقلبات السياسة و تعارض و تقارب مصالح السلطتين فى فترات مختلفة. بعد نجاح انقلاب الانقاذ فى 30\ 6\1989 و فى اقل من 72 ساعة زار السيد عمر البشير زعيم الانقلاب القاهرة لاطلاع الحكومة المصرية على هوية الانقلاب و توجهاته حيث اعلن السيد البشير على الصحفيين المصريين انه مرتبط روحيا بالرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر و قد جاءت تصريحات البشير متسقة تماما مع التقرير الذى كان قد كتبه مسؤول المخابرات المصرية فى السودان الذى اكد ان المجموعة التى قامت بالانقلاب فى السودان لديها توجهات عروبية و هى ذات المجموعة المرتبطة بمصر و ان قيادة الانقلاب لا تتعارض مع التوجهات المصرية و من المعروف كان هناك عددا من المحاولات الانقلابية جارى التخطيط لها مما يدل على عملية الاستثقطاب داخل القوات المسلحة السودانية و كانت مصر تتابع من خلال مراصدها تلك العمليات خاصة مصر كانت على خلاف عميق مع الحكومة السودانية الديمقراطية برئاسة السيد الصادق المهدى الامر الذى جعل استجابة الحكومة المصرية و احتضانها للانقلاب كان متوقعا من قبل القيادات السياسية السودانية و فى ذات الوقت كانت رغبة الحركة الاسلامية ان تسوق مصر الانقلاب للعالم و ان تجد المساندة الكافية و بالفعل سوقت القيادة المصرية الانقلاب للعديد من الدول التى اعترفت بالحكومة الجديدة مع بعض تحفظات لبعض الدول. كانت الحركة الاسلامية على دراية كاملة بالدور المصرى فى السودان منذ الاستقلال و علاقاته مع القوى السياسية السودانية و خاصة علاقة مصر بالحركة الاتحادية من قبل الاستقلال حيث تمت وحدة الاحزاب الاتحادية تحت رعاية القيادة المصرية عام 1953 تحت اسم " الوطنى الاتحادى" بقيادة اسماعيل الازهرى الذى نال الاغلبية فى انتخابات عام 1953 ببرنامج ينادى بوحدة وادى النيل و لكن مجريات الاحداث و تصاعد التوترات فى السودان بين القوى السياسية و حالات الشد و الجذب بينها قد افضى الى اعلان الاستقلال من داخل البرلمان فى 19\12\1955 بتأييد و مباركة الحزب الوطنى الاتحادى الامر الذى جعل مصر تدير ظهرها الى الحركة الاتحادية و تحتضن القيادات الاتحادية التى انشقت من الحزب و كونت " حزب الشعب الديمقراطى" بمباركة زعيم الطريقة الختمية فى ذلك الوقت السيد على الميرغنى ثم اصبحت مصر تركز على الطريقة الختمية باعتبارها القوة المنظمة داخل الحزب و التى تنصاع الى اوامر زعيمها و تسير وفقا لرؤيته دون جدل او طرح تساؤلات فى قضايا يمكن ان تكون خلافية وتعتقد انها تحت مسؤوليات الزعامة هذا من جانب و من جانب اخر كان هناك اعتقاد سائد عند النخبة السياسية السودانية ان المخابرات المصرية لديها خلايا منظمة وسط القوات المسلحة السودانية حيث يجرى استقطابها من خلال دورات العسكريين السودانيين فى مصر اضافة الى ان مصر كانت تتعامل مع السودان من خلال جهاز المخابرات و ليست وزارة الخارجية الامر الذى كانت تعتقده بعض القيادات السياسية انه اختلال فى العلاقة يجب تصحيحه و لكن لم تجروء فى ذلك. كانت هناك قناعة عند الاتحاديين و عددا كبيرا من قيادات الحركة الاسلامية بإن مصر لها مساهمة كبيرة جدا فى انقلاب 1969 بزعامة جعفر محمد نميرى و جاءت القناعة بمشاركة عدد من القيادات السياسية التى لها علاقات وطيدة مع مصر فى الانقلاب و مشاركتهم فى اول حكومة شكلت عقب الانقلاب " بابكر عوض الله – الدكتور محى الدين صابر الدكتور موسى المبارك" و عندما قامت الجبهة الاسلامية بالانقلاب كانت اول خطواتها كسب تأييد مصر و فى اسوأ الاحوال تحييدها رغم ان مصر كانت مهيئة لقبول اية حكومة تكون بديلا لحكومة السيد الصادق المهدى التى كانت راغبة فى انهاء الاتفاقية العسكرية الموقعة بين البلدين فى عهد الرئيس جعفر محمد نميرى و الرئيس المصرى محمد انور السادات كما ان القيادة الاسلامية كانت تعلم ان القيادات العسكرية المصرية و خاصة فى جهاز المخابرات لها ميولها الناصرية و التى تتمثل فى التيار العروبى لذلك كانت تكثر من الشعارات العروبية فى ايامها الاولى لتعميق الثقة عند القيادة المصرية لتبادر هى بدعم و مساندة القيادات الجديدة فى السودان حتى يتسنى لها ترتب اوضاعها لذلك لم تلتفت القيادة السياسية المصرية لتصريحات قيادات المعارضة السودانية و ارئيها حول الانقلاب بل ان الاعلام و الصحافة المصرية بدا ت تشن هجوما عنيفا ضد حكومة الصادق المهدى و العهد الديمقراطى و تبعث رسائل التأييد للعهد الجديد. بدات حكومة الانقاذ ترتب اوضاعها ثم بدات فى استقطاب عددا من القيادات التاريخية للاحزاب المختلفة لكى تنفى بها اية شبهة عندما يبرز عدد من القيادات الاسلامية فى السلطة باعتبار ان قيادة الانقلاب استطاعت الاستقطاب من جميع الاحزاب و الحركة الاسلامية مازالت ترتب اوضاعها حدث حدثان غيرا من مجريات الاحداث و الاستراتيجية التى كانت تسير بها الحركة الاسلامية الحدث الاول سقوط الاتحاد السوفيتى و هدم حائط برلين و انتصار الولاياتالمتحدةالامريكية و حلفائها فى معركتهم ضد المعسكر الاشتراكى و الحدث الثانى غذو العراق للكويت مما اى الى انقسام الدول العربية الى معسكرين مؤيد لصدام حسين و معارض له ثم بداية حرب تحرير الكويت و فى قمة معمعة الاستقطاب فى وسط القيادات العربية بدات تحركات القيادات الشيوعية فى روسيا للقيام بانقلاب عسكرى ضد الرئيس الروسى يلسن حيث صور البعض ان الجيش الروسى قادر على اعادة الاوضاع كما كانت فى الاتحاد السوفيتى الامر الذى بعث برسائل للجانب المؤيد لصدام حسين ان الحرب الباردة سوف تعود مرة اخرى الامر الذى سوف يوقف عمليات التحالف لجمع الدول من اجل شن حرب على صدام حسين. هاتان الحادثتان هما ألتان باعدتا بين الخرطوم و القاهرة حيث وقفت كل واحدة فى طرف نقيض الامر الذى لا تقبله القيادة المصرية مطلقا من الخرطوم ليس الانقاذ انما من اية حكومة سودانية و قد ظهر ذلك جليا عندما وقف جعفر محمد نميرى مع الرئيس المصرى محمد انور السادات فى زيارته الى تل ابيب و رفض مقاطعة مصر ولكن عندما عقد مؤتمر القمة فى بغداد عام 1977 للرد عى زيارة السادات لاسرائيل ووافق الرئيس نميرى الذهاب لمؤتمر القمة شن الرئيس السادات عليه هجوما عنيفا و قال فى كلمة له فى مجلس الشعب المصرى " حتى الرئيس الذى يؤاكل شعبه رغيف مثل ذيل الكلب يريد يتخذ موقف من مصر" اذن كان موقف القيادة السودانية من غذو العراق هى التى وضعت حدا للدعم المصرى لها. ثم جاءات حادثة اغتيال الرئيس المصرى محمد حسنى مبارك عام 1995 فى اديس ابابا عندما ذهب لاجتماعات القمة الافريقية و اتهام السودان بانه وراء عملية الاغتيال قد صعد الخلاف بين الدولتين حيث ذهبت اديس ابابا الى مجلس الامن تشتكى السودان وبدات التحركات فى مجلس الامن من اجل اتخاذ عقوبات ضد السودان كانت مصر تعارض صدور اية عقوبات تؤثر على الشعب و لكن من جهة اخرى بدات مصر تحتضن المعارضة السودانية و تسمح لها بتحركاتها العلنية و فى نفس الوقت دعت القيادة السياسية للحركة الاسلامية فى السودان جماعات الرفض فى الوطن العربى " مؤتمر الشعب العربى" حيث اتهمت مصر السودان انه بدا فى احتضان العناصر المصرية التى شاركت فى حرب افغانستان و فتح معسكرات لها لتدريبها و استغلت المعارضة السودانية ذلك و بدات تنشر العديد من الاخبار بهدف تاجيج الحريق بين العاصمتين و محاولة جر مصر الى صراع مفتوح مع نظام الحكم فى السودان. نواصل zainsalih abdelrahman [[email protected]]