الأشجار هنا تريانة، طويلة، مثل طُولة بال لقمان الحكيم.. كل حجرٍ في واشنطون دي سي، وُضِع في مكانه.. اكتمل بناء المدينة من قديم، فلن يستطيع أوباما أو غيره، أن يضيف حجراً، أو يزيح انثناءة غصن..! أُنثى، عيناها دقيقتان.. ممطوطتان.. فمها دقيق، كأنه خُلق من لثغة عصفور.. وقفت قبالتي..! صوتها ناعس كصفير الريح على أسلاك التلغراف، قبل أن يخلق الله مباهج «الوايرلس».. إنجليزيتها ذات «آكسنت» آسيوي.. لا أرى في يدها حِنّاء، ولا أي تمومة جرتق..! تبدو خالية من شرور الحياة.. ماذا تريد إذاً..؟! «الزولة دي دايرة شنو»..؟!.. أجابني لقمان الحكيم، حيث لا دهشة تعتريه أبداً.. قال متشاغلاً عني بهاتفه كأنه يخشى عليها من هواجسي: « يا زول خليك عادي، دي ما حتمشي، إلا بعد ما تعلِّمك، أكل لحم البط على الطريقة اليابانية»..! آآه، المعنى يعني، إنها «she is doing her job» وليس كما أفهم أنا القادم من لفة حِلة كوكو.. تبدو حنونة، ولكنها فقط، نادلة في مطعم البط الشهير، لا اعتبار هنا لحالة كونها أُنثى، ولا وهج من تناغم حاجبيها مع السُحُب..! لا أثر لذاك التشابك العظيم إلا في مخيلتي..! جُدُر المطعم تكتظ بِصّور لمشاهير، أعرف بينهم السيدة مادلين، وذاك كيسنجر، وهذا كلينتون.. لكن أين المُتدربة مونيكا؟..! أييه، كم من مونيكا طواها النسيان يا صاحبي..! نسيم البراري يلفحُنا كغُباشة المساء.. أكتوبر هنا، لم يزل أخضر.. غداً يتناثر ورق الشجر وتبدأ النّذارةُ بالزمهرير.. غداً تحتشد الغيوم لغسل أرضٍ مثقلة بالخطايا، والخطايا لا يغسلها إلا الغفران.. دخلنا من شارع إلى شارع بين العمائر المتناغمة، كأنها زفاف عاشِقينْ.. بعد لأي وجهد، وجد لقمان الحكيم متكأ لسيارته.. الخيل هنا سهل، لكن مرابضه عزيزة..! تركناها هناك، وزحفنا راجلين بين زوار حديقة البيت الأبيض، وفئرانها التي تتقاقز بدلالٍ يحرق الحشا.. حتى جقورهم لا تشبه جقورنا ..!إنها تتقافز أمام العابرين، كأنها تدرك بعقلها، أي بند في الدستور، يحفظ لها حقها في العيش الكريم..! زعماء العالم يحجون حجيجهم إلى هذا البيت الأبيض، إلا نفرٌ قليل، وأنا أخشى ما أخشاه على روحي في تلك الساعة، دلالٌ يتنعم به فأرٌ من العالم الحر، في غيبة كديس الخلاء..! إمرأة تساقطت أسنانها من الهتاف ضد الأسلحة النووية، قالت لنا: إن بوش الابن رحل عن البيت الأبيض، لكن رجاله ما زالوا يتحلقون حول أوباما..! تجاعيدها تحكي وجعاً من مكائد الجواسيس، ومن تفاصيل لعبة الأُمم في حقبة حربٍ يقال إنها كانت باردة..! ومتى كانت الحرب باردة؟!.. تلك المرأة الضكرانة، ضربت خيمتها البلاستيكية أمام البيت الأبيض لمكافحة أسلحة الدمار الشامل بلافتة مكتوبة بالقلم الشيني..! ألا تخافين البرد يا سيدتي..!؟ قالت: «بل أخاف على البشرية من كارثة انتشار السلاح القذر»..! أييه، سنين وعمر مسلمين، قال لقمان الحكيم، إنه وجدها هنا مذ جاء من وراء البحر..! شيءٌ ما يسري في بدني كأنه خدر التبغ الكافر.. العشّاق المدنفون يتقاطرون في ثنائيات النوع، وفي غيره أيضاً ..! العرايا يسترهم الربُ، ورقصة العشق قائمة في موعدها في الويك إند.. هواء الحرية مجدول كمروج «المكادة» في تلال إلينوي الفسيحة.. إبراهام لنكولن يجلس باسطاً لحيته للريح في بقايا صنم.. بقراءاتي في الكتب الصفراء، أشعر أن بهو محبسه هناك، يصلح لتحضير الأرواح..! مُذْ جئت إلى هذه الدنيا الجديدة، ما رأيت صفاً طويلاً لبشرٍ، مثل صف الداخلينَ إلى «المحرقة»!.. من هؤلاء؟!.. هل حقاً أحرقهم النازي ليحرقوا أقواماً آخرين..؟!