تنشر هذه الأيام تقارير عن جيش (داعش) الذي فرض نفسه بقوة على وكالات الأنباء والصحف بعد الإنتصارات التي حققها على الجيش العراقي.. ولا تخلو التقارير عن إعدامات وحرق كنائس وقوانين تهتم بمحلات الحلاقة والأزياء.. وترد بين الحين والآخر أنباء عن جماعة بوكو حرام النيجيرية التي تتحمل مسؤولية تفجير محطة للحافلات راح ضحيته عشرات القتلى غير تفجيرات أخرى، وغير النبأ الدرامي باختطاف مائتي طالبة.. وعرف عن طالبان أنها حرمت تعليم الفتيات، وأن الحركة مازالت تلاحق المعلمات اللائي يرتكبن جريمة التعليم.. المربك في أخبار هذه الجماعات أن المذيع الذى يذيع خبراً عنها أو الكاتب الذي يعد تقريراً عن هذه الجماعات، يكمل خبره أو تقريره بعبارة أن الجماعة تسعى لتطبيق الشريعة في العراق أو نيجيريا أو أفغانستان.. ولا يكون الكاتب أو المذيع قد افترى كذباً على أي من الجماعات، بل ينصفها بإثبات ما تعلنه عن نفسها، فهذا هو شعارها المرفوع . لكن المتلقي العادي يصاب بارتباك وهو يتلقى هذه الخاتمة العاطفية فيقول بلسان حاله (طيب الجماعة ديل ما كويسين) ناسياً في لحظة بشاعة ما يفعلون.. هذا دليل على خطر عاطفية الشعارات التي تجمل الفعل القبيح حين يتخفى وراء قناع الدين.. وإذا انبرى مفكر للقول إن ما تفعله هذه الجماعات ليس من الدين وأن الدين برئ من أفكارهم المتخلفة وسلوكهم الفظ.. فلن يستطيع الإدعاء أن هذه مدارس منبتة، ما دامت تقدم أسانيدها الفقهية و يلتف حولها جنود يقدمون أرواحهم فداء لهذه الأطروحات.. هذا يؤكد أن الشريعة ليست منهجاً واحداً يتفق عليه كل المسلمين، ولا يقف الأمر عند داعش وبوكو حرام والنصرة وطالبان كأمثلة للجماعات المتشددة التي لها حق الإدعاء بتجسيد المفاهيم الدينية.. بل يمتد الأمر لتيارات لا تنتهج العنف، لكنها تقدم رؤى جد مختلفة للشريعة الإسلامية، ولكل منها الحق أن تزعم أنها صاحبة الفهم الصحيح.. ألا يقود ذلك للتساؤل حول حقيقة وجود منهج محدد يطلق عليه مصطلح الشريعة؟ يعزز هذا التساؤل اعترافات إسلاميين أسسوا الحركة الوطنية للتغيير قالوا صراحة بعدم وجود ما يسمى بالدولة الإسلامية.. قالوا ذلك بعد أن وصموا التجربة السودانية الحالية بالفشل، وعليه لا يمكن تقديس تجربة ما لمجرد تطبيقها تحت لافتة إسلامية.. هي كلها إجتهادات بشرية في الحكم، يجب أن تخضع للنقد.. ألا يكفي أن بعض المسلمين كتموا رفضهم القاطع لما تفعل بوكو حرام، خشية أن يخذلوا إخوانهم المسلمين في نيجيريا الذين يرفعون شعار الشريعة؟