أحد القادة العظام كان يعمل قائداً لحامية من الحاميات في عهد مايو.. أحيل إلى المعاش ، فقرر أن يسكن الريف البعيد على طريقة لوردات بريطانيا .. تناسى تراث كتائب مايو في سنواتها العسلية، وفى سنواتها «البصلية» الأخيرة، لكنه لم ينس الضبط والربط .. اضطر لزيارة الخرطوم وقد أصبح كهلاً، لكن العسكرتاريا لم تزل جارية في عروقه.. ساقه الشارع نحو الخرطوم في طريق «مجلس الشعب» الكائن بالموردة ..فقال بلهجة آمرة لبتاع الأمجاد: «يا ولد،أقيف.. أقيف،يا ولد .. خلينا نشوف الحاصل شنو في البلد دي»..! نزل القائد العظيم ،واتجه صوب مجلس الشعب،وبدأ يتسكع عند جدار المبنى الذى يشبه الكنيست..! تسكع هناك مستذكراً حكايات مايو وزمانها،،و بدأ يضرب كفاً بكف ويقول: «سبحان الله»..! شوهد القائد وهو يضع يديه على خاصرتيه ،ويتساءل عند السور...: «يعني بعد الكواريك دي كلها ،الجماعة ديل ما أضافوا أي حاجة تغيير البوهية..؟!..أما عجايب والله»..! كان القائدغارقاً في الذكريات، صافيها وأليمها ،،و كاد يغادر المكان بمواجعه ، لو لا أن الحرس داهمه بسؤال الهوية..»بطاقتك، يا حاج»..! قال لهم بكل ما أوتي من عسكرتاريا: «يا أولاد أنا ما حاج ،أنا ضابط بالمعاش»..! سرت فيهم طائفة من سكون.. بدد القائد العظيم سكون القوم ..سألهم: «إنتو تابعين للقصة دي»..!؟.. وقبل أن يتلقى إجابة أضاف: «مين مِنْ ناسنا، شغال هِنا»..؟ قالوا له: يا سعادتك، كتير من ناس مايو شغالين هنا.. بلقاسم ، وبلحاج، وبدر، وأخته بدور ،والحبر، وسبدرات المبسوط في كل الوزارات..! لم يزد القائد على ان قال بصرامة الجيش: «كل الجماعة ديل دخلوا معاكم في القصة دي»..؟ . قبل أن يتهيأ القوم للإجابة بلا او نعم، كانت الصفافير قد أقبلت على المجلس،وفجأة نزل من المحروسة «محمد بن امان الدين ،خليفة الله في أرضه»..! نزل في ملافح وقفاطين، وحوله حرس يناهد على جنبات الموكب.. اتجه «محمد بن أمان الدين خليفة الله في الأرض» مباشرة نحو القائد العظيم ..تلقاه بالاحضان وهو يقول: «أهلاً يا سعادتك، الليلة بي وين الشقة الغريبة دي»..؟ .. لم يتلق محمدالأمين تجاوباً من القائد العظيم.. فاستدرك الموقف قائلاً: «ياسعادتك ، يبدو انك نسيتني.. يبدو إنك ما عرفتي..أنا كنت معاك في الحامية....... أطرق القائد برهة وقال: «أووه، إتذكرتك،إنت اللي كنت سايق الهنتر.. أيوا إتذكرتك....طيِّب أيه اللي جابك هنا، القصة دي مش بيسموها البرلمان»..!؟ أجابه عليه بسرعة فائقة: «لا يا سعادتك، الحاجات كلها عملناها حاجة واحدة ،وأنا الأن رئيس هذا المبنى الموقر».... فرك القائدعينيه،واستعدل النظارة، ومرة أخرى حقب يديه على خاصرتيه وقال: «إنت بتاع القصة دي، بلقاسم ، وبدرية، وسلفرات بتاع كل الوزارات، ديل كلهم شغالين معاك فى القصة دي».!؟ قبل ان يتلقى إجابة ، استدار القائد حول نفسه، ورفع يده اليسرى مشيراً إلى المبنى، من فوق إلى تحت ، من تحت الى فوق..! ويده الأخرى لم تزل على الخاصرة.. أعاد عليه ذات السؤال : «يعني إنت رئيس القصة دي، وحتى بلقاسم شغال تحتك»..؟! عندما تلقى القائد العظيم كل الاجوبة ، من سائقه القديم بالعبارة «نعم».. أطلق يديه ،، وقطع الشارع وهو يقول: «...... ،، أكان أنا فاهم حاجة»..!. كان بتاع الأمجاد، فى انتظاره ..وكان اليوم حيعدي على خير ، لولا أن بتاع الأمجاد، سأل القائد العظيم: «يا حاج.. فهمت حاجة من الحاصل في البلد دي»..؟!