الحداثة هى الشعار الذي يرفعه مثقفون كثر في مقابل التقليد , لكنه شعار بلا معنى واضح و لا مضمون عند أصحابه , حتى كاد ينحصر في رفض حكم تشارك فيه طائفة الختمية و طائفة الأنصار .. هو تعريف و موقف سلبيين إذ إكتفي أصحاب الشعار برفض ما أسموه التقليدية القائمة على الإشارة , بدون تقديم رؤية بديلة تخص الحداثيين . هنا يكمن تفسير الفشل الذي أصاب الحداثة المدعاة حتى في الإلتزام بأسس الدولة الحديثة من فصل للسلطات و إستقلالية للقضاء و سيادة حكم القانون و الشفافية و قومية القوات النظامية و حيادية الخدمة المدنية .. و للمفارقة العجيبة , فإن رصيد من يسميهم الحداثيون بالتقليديين أفضل بكثير في كل مرتكزات الدولة الحديثة . و لاغرابة لأن القوي السياسية المسماة بالتقليدية هى في حقيقتها تحالف بين قوى حديثة و قوى تقليدية , و لم يفرض التحالف تراجع القوى الحديثة للصفوف الخلفية ليحل محلها تقليديون يكتفون بتقديس السادة و طاعة الإشارة ؛ فقدمت الحركة الإتحادية المتحالفة مع الختمية مبارك زروق و خضر حمد و نصر الدين السيد و عبد الماجد أبو حسبو و أحمد السيد حمد و غيرهم . و لم يقدم الإمام عبد الرحمن أنصاره لإدارة الدولة , بل قدم حلفاءه الحداثيين في الحركة الإستقلالية , عبد الله خليل و محمد أحمد محجوب و إبراهيم أحمد و عبد الرحمن علي طه و غيرهم .. و رغم هذه الحقائق الدامغة أفلح مدعو الحداثة في وصم هذه الأحزاب التى تقودها قوى حديثة و التى نجحت في إرساء قواعد قوية للديمقراطية , أفلحوا في وصمها بالطائفية , و أوهموا قطاعات عريضة بقشور حداثية مثل حشد حملة الدكتوراة في قيادة الحزب الحديث , و روجوا لدعاوى كاذبة و حكاوي فارغة عن تقبيل أيدي السادة و أشبار في الجنة , و كأن مبارك زروق كان ينتظر من السيد على شفاعة يوم القيامة , و كأن عبد الرحمن على طه كان ينتظر شبراً في الجنة يمنحه إياه الإمام عبد الرحمن . و لما حان أوان الإختبار العملى فشلت حركات الحداثة في اليمين و اليسار في المحافظة على أركان الدولة الحديثة فضعفت الخدمة المدنية بسبب التسييس تحت شعار التطهير , ثم ماتت بشعار التمكين .. و غابت حتى الضوابط البدهية من أورنيك (15) إلى المراجعة المالية .. فوضي لا ينحدر إليها (عمدة) من رموز التقليد و يقع فيها بروفيسور من أعلام الحداثة ! الحزب من مؤسسات المجتمع الحديث و هو طور متقدم على الفبيلة و الطائفة , لكن للحزب إستحقاقاته و إلا أصبح متخلفاً عن مؤسسات التقليد كما ثبت بالدليل العملي في تجربتنا السياسية .. و الجيش النظامي من مؤسسات الحداثة , لكن في إطار أدوار متكاملة بين كل مؤسسات الدولة الحديثة بحيث تضطلع كل مؤسسة بدورها , بلا زيادة أو نقصان .. كلمة السر في كل هذه الحكاية العجيبة هى الديمقراطية .