الحدود بين السودان ومصر طويلة، تمتد من البحر الأحمر إلى نقطة الإلتقاء مع الحدود الليبية.. لكنه طول معاق بالطبيعة الصحراوية للمنطقة التي جعلت التداخل السكاني غير ممكن إلا عند مدخل النيل إلى مصر، أو لحد ما في منطقة البحر الأحمر.. وبالمقارنة مع التداخل السكاني عند حدود السودان الغربية والشرقية والجنوبية نجد أن طبيعة المنطقة أعانت الناس كثيراً على تداخل تلقائي، حيث يتبادل الناس المنافع ويتداخلون، وكأن الحدود السياسية غير موجودة.. رغم هذه المقارنة التي توحي بانعدام فرص التواصل مع مصر في مقابل تعدد فرص التواصل مع غيرها.. إلا أن الحقائق تقول بغير ذلك، حيث أن لمصر مكانة في السودان لا تضاهيها مكانة أي جار آخر.. هنا تبرز أهمية مصر التي استطاعت بعوامل أخرى أن تتغلب على الحاجر الطبيعي الذي يسببه امتداد الصحراء على طول حدود البلدين.. أبرز هذه العوامل هو ثقل مصر السياسي، ودورها الإقليمي الذي لا يستغني عنه السودان، وفوق ذلك بسبب عوامل ثقافية قوية أبرزها اللغة، جعلت مصر كمركز إشعاع ثقافي وتعليمي قبلة للسودانيين، ومصدراً للثقافة القادمة عبر الصحف والمجلات والأفلام والمسلسلات، حتى أصبح كبار الكتاب والمسرحيين والممثلين المصريين معروفين عند النخب السودانية وعند عامة الناس.. حيث يتوزع النجوم بينهم حسب اهتمام كل منهم.. من العقاد، وطه حسين، والمازني، وأم كلثوم، وعلي عبد الرازق، واسماعيل ياسين، ومحمود الخطيب، وعبد المنعم مدبولي، وفرج فودة، ونجيب محفوظ، ونصر حامد أبو زيد، وعبد الحليم حافظ، وفاتن حمامة، ويحيى الفخراني.. ويقود مؤسسات سودانية مهمة عدد كبير من أعلام الطب، والقانون، والإعلام، والهندسة، والإدارة وغيرها من ضروب المعرفة من خريجي الجامعات المصرية.. فعرف الشارع السوداني من خلال أبنائه المبعوثين القصر العيني، والأزهر، وعين شمس، ودار العلوم، والمعهد العالي للموسيقى والمسرح، والزقازيق، وطلبة عويضة.. وقد لخص الشاعر السوداني الكبير التجاني يوسف بشير علاقة السودان بمصر في بيتيه البليغين: إنما مصر والشقيق الأخ السودان كانا لخافق النيل صدرا... كلما أنكروا ثقافة مصر كنت من صنعها يراعا و فكرا.. دولة بهذه المكانة وعلاقة بهذه المتانة لا بد أن يحرص السودان عليهما، مع حرص ضروري بالطبع من الطرف الآخر.. ويعتبر النقل والإتصال من أقوى أسباب تقوية العلاقة وتطويرها، لذا تأتي أخبار انتهاء بناء الطريق البري بين السودان ومصر كبشريات على طريق التواصل وتبادل المنافع وتحقيق المصالح المشتركة، خبر يستحق أكثر مما وجد في الإعلام وفي الدوائر المعنية بالعلاقة بين البلدين.