النزاع الحدودي بين السودان ومصر على مثلث حلايب وشلاتين، لن يتحول إلى صراع عسكري ، لكنه قد يتحول بمرور الزمن، إلى موضوع «مناوشات» موسمية بين الحكومة والمعارضة، فينتقل بذلك من حالة كونه نزاعاً بين دولتين إلى شأن داخلي!.. صحيح أن قضية حلايب وشلاتين تطفو إلى السطح بين الحين والآخر، كلمّا توتر المناخ السياسي، لكن من الصعب جداً أن تُحظى ب «وجود ظاهر» على طاولة المباحثات الرسمية بين الوفود، أو اللجان المشتركة، المصرية السودانية.. هذا موضوع جدير بالتأجيل مرة أخرى من جانب الحكومتين، وحتى من الناحية الإجرائية، لن يُعرض هذا الملف على التحكيم الدولي، إلا باتفاق الطرفين على ذلك، وهذا ما لن يحدث إلا إذا خرج الموضوع عن السيطرة لا سمح الله وتحوّل إلى حالة حرب، وهذا هو أبعد الاحتمالات.. بالتالي فإن مثلث حلايب وشلاتين، سيأخذ في هذه المرحلة حظه الكامل، من «التصبين»، لأن العلاقة بين الحكومة السودانية والمصرية لا تحتمل فتح هذا الملف الآن، حيث إن العلاقة بين السودان ومصر أشبه بزواج كاثوليكي لا فكاك منه، أو هي كما وصفها السيد محمد نور الدين ، عاشق الوحدة بين دولتي وادي النيل: «.....»!.. غير أن أزمة حلايب من وجهة نظري ، تأخذ صورة مشابهة لما يحدث من نزاع بين وارثي السّواقي على الشريط النيلي!.. وقطعاً تتقاطع وقد تتطابق الحكايات ، خاصة في بلاد النوبة.. فهناك وبسبب ضيق المساحة الزراعية ، يهاجر الإخوان الأشقاء من القرية بحثاً عن العمل ، والتعليم ، والعلاج، ويتركون بقية أهلهم أو أحد إخوانهم في «العَقاب»!.. لكن هؤلاء الأشقاء المهاجرين ، بعد أن يستقروا في البندر، «يتاورهم» بين الحين والآخر، حلم الرجوع إلى البلد، ويحتوشهم الحنين إلى الديار: «كم منزلٍ في الأرض، يألفه الفتى، وحنينه أبداً لأول منزلِ»!.. أو قد تصيب أحدهم نوبة من نوبات الفلس، فيقرر العودة إلى الدمر القديم، باحثاً عن حقه في الميراث.. وما أن يصل إلى القرية ، حتى يتم تحنيطه في برنامج ضِّيافة على الطريقة المصرية يجعله محايداً، وليس كأنه شريك في الأرض والميراث، حيث يجد نفسه غارقاً في العزايم والشربوت والضبايح، والكوتشينة، وجبنة ضُل الضحى، وشاي المغرب التقيل المُقنّن، وعشاء الفطير باللبن، وإذا اعتدل الهواء، يتفتّح عليه الفرح المعبأ، وبالتالي تنمحي ذاكرته المطلبية ، وتتفتّق ضحكات الليل!.. وتمر الأيام والأسابيع واحداً بعد الآخر، حتى يخمد قلب الوارث الزائر تماماً، وينسى ما جاء من أجله، فيؤخذ إلى المحطة لتوديعه، على بركة الله، حاملاً لزوجته وأولاده في البندر، بعضاً من تمر المأكولات ، وقيراطين من الفول المصري، والويكة وارد قُشابي.. وعند وصوله إلى مقامه تسأله أسرته الصغيرة عن حقوقه ومواريثه ، فيقول لهم: « مواريث شنو؟.. الأرض ياها ديك قاعدة، مافي زول بيقدر يطويها في جيبو»! الآن لو سألت أي عضو في الوفد الرسمي السوداني الذي زار القاهرة مع الرئيس: عملتوا شنو مع إخواننا المصريين ، في موضوع حلايب وشلاتين؟!.. سيقول لك وببساطة، نفس الكلام بلغة دبلوماسية «خفيفة شوية»، تطيب لها نفوس الموالين لمرسي داخل التنظيم الحاكم، ولا تترك للمعارضة مجالاً كبيراً للمناورة!.. وتقريباً هو موقف واحد أو تصريح متفقٌ عليه، في سياق المناورة.. ومن السهل طبعاً القول بأنّ مثلث حلايب وشلاتين، سيتحول إلى منطقة «تكامل».!. يا عم، تكامل إيه، وحلايب مين! إن كانت قضايانا القومية تُدار وفق منهجية المحبوب عبد السلام.. فيا دنيا عليك السلام!