أهلنا قالوا، المُتْسبِبْ تبكّيهو الرّيشة، وقالوا أيضاً إنّ الطبع يغلبْ التّطبُّع!.. والنّاس ديل عندهم عادة، عندهم طبيعة، زي ما إنت شايف!.. الناس ديل، ما عندهم شغلة غير كيل الاتهامات، والاستنكار!.. الناس ديل، أيّ كفوة تحصل ليهم، يرموها في ياسر عرمان!.. كلما فشلت مُخططاتهم، أو وقع حصارهم وانكشفت أسرارهم، أو راح ليهم الدّرِب في الموية، طوالي يرجعوا ليك إلى تغبيش الرؤية ومخاطبة الدّاخِل، وتعليق فشلهم على شمّاعة المعارضة التي يقولون إنها تستهدف «الاسلام»، فينسبوا الخيبة والخسارة التي تلحق بسياساتهم إلى مؤامرات الطّابور الخامس، والمُندسين، والمُغرضين!.. وغني عن القول، إنّ المندسين والمُغرضين - من وجهة نظرهم - هم كل من لا ينتمي إلى التنظيم الحاكم.. هذه هي عاداتهم.. وهي حركاتهم من زمان ليس بالقصير، منذ زمان ما قبل موكب أمان السودان! ويا حليل زمن كان القطر يصفِّر بالمواعيد، وحليل زمن كانت السكّة حديد «خامَّة ولامَّة».. حليل زمن الكلام بى معناهو، وزمن كل منتظر فرصتو وشايف شغلتو.. زمن كان المال العام محروساً، والتحقيقات تجري على قدمٍ وساق، في أصغر صغيرة، من أجل الحفاظ على مال الدولة.. في زمن الاستعمار الثنائي،أُفتُقِدت فلنكة من فلنكات السِّكة حديد، في سندة دار مالي، الواقعة شمال عطبرة وجنوبي محطة بربر، فأجرى ناظر المحطّة تحرياته وتحقيقاته المبدئية مع عمّال الدريسة والخُفراء، لكنّه لم يتوصل إلى الشخص، المُفترض أنّه سرقَ، أو أخفى الفلنكة.. رفع النّاظر تقريره إلى جهة الاختصاص في هيئة السكة حديد، فتم تحويل الموضوع إلى المحكمة التي استدعت بعض المُتّهمين في التحقيق للمثول أمامها، وكان بينهم أحد عمّال الدريسة، وقد كان رُباطابياً، من النوع الذي لا يتحدّث إلا ب «التدوير»! رُباطابي شايف روحو، مثل غالبية الرُّباطاب، «قبل أن يحيق بهم زمان السدود طبعاً»!.. فقبل ذلك الزمان، كانوا عاملين فيها «يا دُنيا، ما فيكي إلا أنا»!.. كان الواحد فيهم، يبرُم الشّال، ويقدِّل في المحطة، «زي التّكنو» أمين أمانة الفكر والتنظيم!.. بهذه الروح وقف الرُّباطابي أمام القاضي الإنجليزي، وقد كان من عوايده «قلوّزة» الطّاقية، فوق جبهته، كأنّها «قندول المُقُدْ»!.. أو كأنها لمبة باب الحوش!.. قبل أن يبدأ القاضي استجواب الرُّباطابي، وجّه إليه الحديث عبر المُترجِم، فقال المُترجِم للرُّباطابي، إن القاضي يقول ليك، أن «تستعدِل الطّاقية، وتقيف باحترام، قدّام المحكمة»!.. بعد ذلك بدأ الخواجة يسأل الرُّباطابي عن اسمه، وعمره، و.. و.. وعن فلنكة السِّكة حديد الضّائعة.. لكنّ الرّباطابي بين السين والجيم، نسِيّ أنّه يقف أمام المحكمة، وبحكم عادته في قلوّزة الطاقية، كان قد أرجعها إلى وضعية التحدير المُستفِزة، بل جعلها فوق جبينه، على وضعية «نور البطّارية»! وضع الخواجة القلم، وتحدّث إليه مرة أخرى عبر المُترجِم، بحِدّة ظاهرة، قائلاً ، بأنّه التحذير الأخير، وأنّه سيرمي به في السِجن، بتهمة عدم احترام المحكمة إن لم يُرجع طاقيته إلى الوراء!.. قام المُترجم بترجمة كلام الخواجة، وبسرعة فائقة، دحرج الرُّباطابي الطاقية إلى الخلف، وجعلها عند فاخورة رأسه، فى الوضع المُعاكس تماماً لحالة القلوّزة فوق الجّبين، وقال للمترجم: «كلِّمو، قول ليهو، طاقيتي أنا زحّيتا لي ورا، بس أريتك تكون لقيت، فلنكتك الرايحي تحتها»!.. الآن، الجماعة ديل، ما عندهم شغلة غير الرّدحي، في المُندسين، وفي الطّابور الخامس، وفي معارضة الفنادق!.. الناس ديل، فوق كم، عاملين فيها «عشرة بي قِرش»؟!