من ظنّ أنّ الحاكم وحده (شماعة) يُعلِقُ النّاسُ عليها كل شيء، فهو مخطئٌ، فليدرك كل مواطنٍ، أن الحُكمَ أساساً ينهضُ على طرفي معادلة (الحاكم + الرعية = الحُكمُ)، فهيا نتذاكر معاً الآيات الكريمات التالية وماجاء في تفسير المفسرين لها.. قال تعالى «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ» : (96) الأعراف: إنّ العقيدة الإيمانية في الله وتقواه، ليست مسألة منعزلة عن واقع الحياة، ذلك أنّ الإيمان بالله وتقواه، لَيُؤهلان لفيضٍ من بركات السماء والأرض، إنّ البركات الحاصلة مع الإيمان والتقوى، بركاتٍ في الأشياء وبركاتٍ في النفوس، وبركاتٍ في المشاعر، وبركاتٍ في طيبات الحياة... بركاتٍ تنمي الحياة وترفعها، وليست مجرد وفرة مع الشِقوة والتردي والإنحلال.. حيث قال الله تعالى:«إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ». 44 يونس: لقد أعطى الله الخلائق الأسماع والأبصار والعقول ليهتدوا بها، فإذا هم عطلوها حقت عليهم سُنته، ولقوا جزاءهم عدلاً، ولم يظلمهم الله شيئاً 611-711 هود: فالأمة التي يقع فيها الفساد، فنجد من ينهض لدفعه هم أممٌ ناجية لا يأخذها الله بالعذاب والتدمير، فأما الأمم التي يظلم فيها الظالمون، ويفسد فيها المفسدون، فلا ينهض من يدفع الظلم والفساد،أويكون فيها من يستنكر، ولكنه لا يبلغ أن يُؤثر في الواقع الفاسد، فإن سُنة الله تَحِقُ عليها، إما بهلاك الإستئصال، وإما بهلاك الإنحلال والإختلال وفي قوله تعالى«لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ».. الرعد 11: وحسبُنا من تفسير هذه الآية المعنى الظاهر من قوله«إنّ الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم».33/34/97 النحل: فعجيبٌ أمر الناس، فإنهم يرون ما حل بمن قبلهم ممن يسلكون طريقهم، ثم يظلون سادرين في الطريق، غير مدركين أن سنة الله تمضي وفق ناموسٍ مرسومٍ، ولن تحابيهم، فقد آتى الله عباده حرية التدبر والتفكر والإختيار، وحذرهم العاقبة ووكلهم إلى عملهم وإلى سُنته الجارية، فما ظلمهم في مصيرهم المحتوم، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، وفي هذا التعبير دلالة على أنهم لا يُعاقَبون بشئٍ خارجٍ عن ثمرة أعمالهم الذاتية.. ويمضي سياق التفسير إلى أن العمل الصالح مع الإيمان جزاؤه حياةً طيبةً في هذه الأرض، لا يهم أن تكون ناعمة رغدة ثرية بالمال، فقد تكون به، وقد لا يكون معها، وفي الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة في حدود الكفاية، منها: الإتصال بالله والثقة به والإطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه.. الصحة والهدوء والرضى والبركة، وسكن البيوت ومودات القلوب.. الفرح بالعمل الصالح وآثاره في الضمير وفي الحياة، وليس المال إلّا عنصراً واحداً يكفي منه القليل، لذلك كان لابد للعمل الصالح من قاعدةٍ أصيلةٍ يرتكز عليها، ألا وهي (قاعدة الإيمان بالله) كقوله «وهو مؤمنٌ».. فبغير هذه القاعدة لا يقوم بناءٌ، إذاً فالعقيدة هي المحور التي تُشدُ إليه الخيوط جميعاً. 124طه: إن الحياة المقطوعة الصلة بالله ورحمته الواسعة، ضنكٌ مهما يكن فيها من سَعةٍ ومتاعٍ، إنه ضنكُ الإنقطاع عن الإتصال بالله والإطمئنان إلى حماه، ضنكُ الحيرة والقلق والشك، ضنكُ الحرص والحذر: الحرص على ما في اليد والحذر من الفوت.. ضنكُ الجري وراء بارق المطامع والحسرة على كل ما يفوت، لذلك فإن طمأنينة الإيمان تضاعف الحياة طولاً وعرضاً وعمقاً وسَعةً. هذا ما يسره الله لنا من بيان الآيات المتقدمة وماجاء في تفسيرها، ونسوق بعضاً مما جاء بالهدي النبوي الشريف، فقد جاء في خبر تلك المرأة التي جاءت إلى الرسول صلي الله عليه وسلم لتبلغه بأنها قد زنت ليقيم عليها الحد، فكان صلى الله عليه وسلم في كل مرة يأمرها فتنصرف، حتى جاءت في آخر مرةٍ وطفلها بيده خبزة رغيف، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقامة الحد عليها، فتم رجمها فتطاير دمها على الحاضرين، فقال أحدهم أصابته قطرة دم، بأنه نَجِسٌ ، فقال صلى الله عليه وسلم لما سمع هذا القول: والله أنها تابت توبةً لو وُزعت على أهل الأرض لكفتهم، ذلك أنها ذهبت إلى ربها نظيفة وطاهرة من أي ذنب.. الجعليين السليت بحري