وحده الرجل الصامت يسافر على أرجوحة العمر الهارب كغراب خطف جبنة من مطبخ الأيام ، تأخذه عربة الصمت تنحدر في أودية الصيف وترميه في أحضان الزمن اللئيم ، كان في ذلك المساء يسوق الخطى الكليلة ويحاول الهروب من كراسة الحزن الممهورة بتوقيع أشجار الليل ، فضلا أسمعوني هو ... رجل يتوق الى زخة أمطار رخوة تعيد اليه بعض الفرح الهارب من شباك السنين ، دخل بلدته المسترخية على عصب الصمت ، كانت الشمس تشرب آخر قطرة من كأس الضجيج اليومي، كانت ترمي بهالة من الضوء الباهت على بساتين النخيل وتلوح لبيوت الطين المهترئة ، كانت الريح تعزف سمفونية الوقت النشاز على خاصرة الشوارع الترابية ، في البداية سرقته خارطة جغرافيا المكان إكتشف أنه دقه قديمة وان كل شيء تغير حتى ملامح الوجوه المغسولة بماء التراب ، بحث عن أطلال منزلهم القديم ، بيت كان بابه من خشب الحراز صنعته يد بصير في الزمن البهي ، لم يجد لا باب ولا يحزنون ، يحاول الركض في مسارات الذاكرة المشوشة كقمر هارب من زمهرير الشتاء ، يجد أن كافة المسارات تؤدي الى اللاشيء ، كل شيء في فضاء الحوش الكبير تغير ، أشجار النيم وحدها كبرت و امتدت ظلالها الكئيبة كسرداق للعزاء في عشيات الصيف الواهنة ، يا الله ، يطارده السؤال المحموم ، هل مازالت الحيطان تذكرني ، هل أشجار النيم ما زالت تحفظ في إرشيفها الحزين بعض من ملامحي التي اغتالتها طورية الزمن ؟، يمشي ببطء وهو يقدم خطوة ويؤخر الأخرى ، يستعيد من تلافيف ذاكرته الغربال نتف من الحكايات الغاربة كوقع المطر في وداي محفوف بالخوف ، يركض في متاهة بيضاء ويجد أن كافة اوراقه أصبحت مبعثرة وبرسم الضياع ، يحاول الهروب من واقعه المصاب بأنيميا التلاشي كقمر في محاقه الأخير، يكتشف أن كافة أحلامه ذهبت مع ريح المساء العابرة ، يعتصر دماغة المشوشة برمال السنين ، هنا كانت طلمبة الماء ،هناك كانت جلسة ظل الضحى في صباحات الصيف الهاربة ، يدلف الى بطن الغرف الموحشة ، يسأل ترى أي الغرف شهدت صرخته الاولى ؟ ، يكتشف إن كافة الموجوات تمد لسانها الطويل تجاهه ، يهرب من الفضاء الموحش تجاه الشرق ، من بعيد يتسرب إليه نواح طيور الرهو وهي في رحلة الصيف تجاه مناطق الدفء الافريقي ، كانت تصدر صوصوة كثغاء الشاة المكلومة في زمهرير الشتاء .