يسخر البعض من شعار الإتحاديين (حرية الفرد.. ديمقراطية التنظيم .. حكم المؤسسة)، حيث يزعمون أن الشعار الحقيقي لما يحدث في هذا الحزب هو حكم الفرد وغياب المؤسسة. و رغم السخرية التي لها ما يبررها إلا أن للفرد دوره أيضاً. راجت شائعات بوفاة الرئيس بوتفليقة، وتضاربت الأنباء فعدها البعض رد فعل طبيعي لغياب زعيم بهذا الحجم.. وتذكرت مسرحية (الزعيم) للفنان عادل إمام، وكيف أخفى نبأ رحيل الزعيم لحين إعداد بديل يملأ هذا الفراغ الهائل.. واستعيد مع هذا السياق الإنزعاج الذي أصاب حزب المؤتمر الوطني، لما أعلن رئيسه عمر البشير عزمه على عدم الترشح في الإنتخابات الرئاسية. يعزى الإنزعاج والإرتباك إلى حالة الأبوية أو الفردية حين تنظم السياسة والتي تجعل أجهزة المؤسسة الحزبية في حالة بيات طويل، بعد أن تفوّض سلطاتها للرجل الأول وتذهب في سبات حتى تتحول إلى أشكال بلا فاعلية.. وقد لا يكون الفرد صاحب قدرات تميزه، لكن يمكن (صناعة) الفرد بتعهده بآلة إعلامية ضخمة وقوانين تطلق يده حتى يتضخم وتستحيل بعدها أية محاولة لكبح جماحه إذا استبد.. فلا يملك بعدها صانعوه غير الإستسلام للحالة.. وتروق سيطرة الفرد للكسالى الذين يوكلون الأمر كله للرئيس القائد الزعيم الملهم. حالة الفردية حالة لا تخرج أيضاً من نظام إجتماعي تصوغه قوانين تحكم مسار المجتمع.. لكنها لا تكون على نمط محدد لأن مسار البشر وحركة المجتمع الإنساني لا تحكم بقوانين كتلك التي تضبط السنن الكونية. لله تعالى سنن في الكون تجعلنا نضبط حياتنا وفق السنن الكونية، ونحن مطمئنون إلى سير حياتنا كما نرسم، فنزرع في توقيت محدد.. وننتظر ثمار النخل بعد سنوات محددة، وننتظر شروق الشمس في وقت محدد، ولا نتوقع أن يدخل ابننا الجامعة بعد عامين من مولده، ولا أن يأتي شهر رمضان بعد شهرين من عيد الأضحية، ولا أن يغلي الماء في الثلاجة.. نتصرف وفق هذه القوانين والسنن، فتسير حياتنا سلسة سهلة.. وفي مسيرة المجتمع قوانين تحكم حركته مثل العلاقة بين مستوى التعليم ودرجة الوعي.. وزيادة الإنتاج المفضية إلى الرفاه.. وقد أغرت هذه القوانين المنظمة لمسار المجتمع المفكرين الماركسيين لوضع مسار للبشرية، تسير(حتماً) عليه وفق قراءات لماضيها، استقرأ منه الماركسيون المستقبل.. لكن الفكرة اصطدمت بمفارقات كثيرة تؤكد استحالة وضع (ناموس) للمجتمع، وكأن البشر على مدارات كالشمس والقمر.. وكانت الصخرة الكبرى التي اهتزت عندها الماركسية هي (الفرد) الذي يفسد النبوءة ويغيّر المسار بطريقة درامية تهز الفكرة المبنية على الجماعة. يقول باكون على الحركة الشعبية: «لو كان قرنق حياً لما استطاعت الحركة بكل أجهزتها وجماهيرها أن تفعل ما فعلته بعد غياب قرنق.. وفي مثال آخر ظل كثيرون يرددون خلال الديمقراطية الثالثة أن الشريف حسين لو كان حياً لاكتسح الحزب الإتحادي الإنتخابات ولحكم الإتحاديون السودان منفردين، ولتغير مسار التاريخ». لا تستهينوا بالفرد، فقد يغيّر واحد مسار التاريخ بحضوره أو بغيابه، وهكذا كان المهدي وأزهري والشريف حسين وجون قرنق وغورباتشوف وهتلر وعبد الناصر ومارادونا.