أتساءل عن أسباب الحملة الإعلامية والصحفية الضارية التي يتعرض لها وزير المالية الإتحادي الأستاذ علي محمود، والتي أثرت على عدد من أعضاء البرلمان فتوعدوه، وقال بعض السادة النواب الكرام إنهم بصدد إبراز (الكرت الأصفر) للسيد الوزير. ما الذي فعله السيد الوزير، وما الذي قاله حتى تقوم قيامة البعض، ويتوعدونه بالويل والثبور وعظائم الأمور؟.. كل الذي قال به السيد الوزير هو إنه دعا الناس إلى (الاقتصاد)، وتغيير أنماط العيش التي أخذت مساراً استهلاكياً قد لا يتناسب مع الفترة المقبلة التي تواجهها بلادنا، بعد خصم موارد وعائدات النفط التي كانت داعماً للخزينة العامة بنسبة عالية ومقدَّرة. التوجه الاستهلاكي الجارف نحو أنماط غذائية محددة سيكون بلا شك خصماً على مخصصات أخرى مهمة وضرورية، متمثلة في خدمات الصحة والتعليم والنقل وإمدادات المياه والكهرباء والطرق.. ما دعا له السيد الوزير لم يخرج من دائرة اختصاصه ولا من حدود مسؤولياته، لأنه يرى - بحكم موقعه- ما لا يراه العامة من غير المختصين، وأحسب أن أياً منا لو كان محل السيد الوزير لدعا إلى التقشف وتغيير أنماط العيش والاستهلاك الجديدة، حتى نتفادى السقوط في مهاوي الفقر العام، وأعني فقر المجتمع الذي يقود إلى فقر الدولة. الدعوة للعودة ل ( الكسرة) و(القراصة) و(العصيدة) ليست بدعة وليست عيباً، إذا ما جاءت نظرتنا شاملة أو كلية للواقع الجديد المحتمل، وهذا من أوجب واجبات السياسي المسؤول.. لذلك لا نرى غرابة فيما ذهب إليه السيد الوزير من خلال دعوته الشجاعة والجريئة على اعتبار أن محاربة الفقر من واجبات الحكومة.. نحن مع دعوة الأستاذ علي محمود للتقشف درءاً لأي نتائج سلبية محتملة أو متوقعة عقب الانفصال الذي بات قاب قوسين أو أدنى، إن تم إجراء الاستفتاء في موعده أو تأجل قليلاً.. لكننا لا نريد للحكومة أن تقف عند حدود تلك الدعوات التي قد تحبط المواطن العادي الذي تعبِّر عنه الصحافة تعبيراً مباشراً، كما تعبِّر عن روح المجتمع وتطلعاته ومخاوفه، لذلك كنا نتوقع أن يتم تكوين لجان اقتصادية مختلفة - يتم الإعلان عنها- تكون لجان بدائل اقتصادية تضع الحلول للأسوأ المتوقع من خلال دعم الحكومة للسلع الأساسية المرتبطة بحياة الناس ومعيشتهم اليومية، مثل السكر، والزيت والصابون والقمح والذرة، وأن تكون هناك منافذ مقترحة لتوزيع السلع المدعومة من خلال مراكز متخصصة في الأحياء ضماناً لوصولها للجميع، مع عدم منع تداول غير المدعوم في السوق الحر. ونرى أن تخوف الكثيرين من الذي يأتي فيه كثير من المبالغة والتهويل، إذ إن الخزانة العامة للدولة الشمالية في حالة الانفصال ستوفر الكثير مما كان يوجه نحو أشقائنا في الجنوب، من باب المسؤولية الاتحادية وواجبات الحكومة المركزية. الصورة ليست قاتمة، والأمر لن يكون بذلك السوء المتوقع.. لكننا نخشى على الذين يطالبون ويدعون ويروجون للانفصال في جنوب السودان، من ويلاته هناك.