٭ «السائحون» مفردها سائح أو «سايح» بلغة السودانيين والسياحة في ذاكرتنا الشعبية هي درجة في سلم السالكين «لطريق القوم» أهل التصوف.. يخرج أحدهم معتزلاً بلده ومسيده، سايحاً في الفلوات، الغابات أو الجبال يمشي راجلاً إلى حيث تقوده المشيئة، ذاكراً عابداً، خاوي الوفاض إلا من التوكل، شغله الصيام والقيام والصلاة والناس نيام، والعيش على ما قل وخشن من الطعام، «موية في الابريق وتمرات في الجراب». ٭ غريب أن يختار فريق من «الإخوان» أو جماعات الإسلام السياسي، ذات الجذور السلفية القحة «السائحون» عنواناً لحركتهم أو تيارهم.. كان الأسم شيئاً غانماً في ذهني غير محدد المعالم.. كان «طراطيش كلام»، ربما اختاره هؤلاء الشباب الذين غُرّر بهم في العشرية الأولى من الانقاذ فأندفعوا في غابات الجنوب، لكنهم اكتشفوا آخر النهار أن «جهادهم» هناك لم يأت أُكله وذهب الجنوب إلى حال سبيله منفصلاً، وانهم كانوا مجرد «سيّاح» في تلك الأدغال.. وإن الحرب لم تكن من أجل الجنوب ووحدة التراب السوداني.. وإنه «لم يعد للدين مجده» هناك برغم كل ما «اريق من دماء» كما تغنى نشيد الإخوان المستورد من أدبيات الحركة الأم في مصر المحروسة. ٭ الحوار الممتاز الذي أجراه المحرر السياسي النابه ل «اليوم التالي» عزمي عبد الرازق مع شيخ شباب «السائحون» فتح العليم عبد الحي فتح ناظري على العديد من الحقائق وأزال الكثير من الالتباسات تجاه حكاية «السائحون».. وكانت مناسبة الحديث هي ذهاب جماعة منهم بقيادة أمينهم العام فتح العليم إلى أديس أبابا واجتماعهم مع ياسر عرمان أمين الحركة الشعبية/شمال.. عدوهم التقليدي المفترض، الأمر الذي عده الأستاذ عزمي وصحيفته أمراً غريباً ومثيراً للتساؤل، وفيه خبر وفق القاعدة القديمة «إذا عض الإنسان كلباً فذلك هو الخبر وليس العكس».. وكما قال عزمي: فأنه بعد أن دارت بينهما كؤوس الحرب ردحاً من الزمن ها هو الحوار يعيد بينهما طريقاً جديداً للتواصل.. وفي الخرطوم كان فتح العليم عقب عودته من أديس تحت مرمى نيران بعض «إخوان الأحراش».. وبدا فتح العليم غير عابيء بما يثار وهو يحاول فتح نافذة على الجدار والقفز فوق سياج التابوهات القديمة،، وتبدى في نظر محاوره كما قال «نسخة مغايرة من الاسلاميين يطور نفسه بإستمرار ويتوسم في الحوار طريقاً للسلام عوضاً عن الموت والخراب». بعد أن سرد فتح العليم لمحاوره تطور «السائحون» كتيار نشط في ولايات السودان المختلفة يُنوّر الناس بضرورة «الاصلاح»، وانهم ليسوا كياناً تنظيمياً حزبياً بل «مبادرة» قد تنتهي بتحقيق أهدافها، إذا ما أنتهى الحوار الوطني إلى لم شعث البلاد.. كما يقول الرجل انها«تيار ضغط» على الحكومة وعلى المعارضة في آن معاً، وترى في ما طرحته الحكومة حتى الآن حول الحوار مقبولاً على وجه العموم. ٭ من الأسئلة المهمة التي وجهها المحاور لفتح العليم، وأراها تستحق التثبيت لأن اجاباته عليها تحمل مؤشرات لكيف يفكر الرجل وتياره: كيف تسنى لأمير المجاهدين أن يضع يده في يد عرمان؟ فكان جوابه: أن الجلسة كانت حول أجندة محددة ولا يعلم من القرآن أو السنة ما يمنع محاورة الآخرين، بل أن الخطوة موافقة لمقاصد الدين العامة، فحتى العدو «نحاوره ونجادله بالحسنى».. ثم قال له عزمي إن عرمان تعرض أثناء لقاءكما بقسوة للتجربة الجهادية وللانقاذ؟ فأجاب فتح العليم: هو تعرض للتجربة ولنظام الحكم، والتجربة فيها مظالم كثيرة، ولو لم نكن مقتنعين بوجود المظالم فلماذا كانت «السائحون»؟!.. وأضاف: بالتأكيد أتفق معه في بعض ما ذهب إليه. ٭ من المعلومات المهمة التي رشحت اثناء الحوار، أن «السائحون» لم يشاركوا في «إنقلاب ود إبراهيم»، لكنهم توسطوا فقط لإطلاق سراح قائد الانقلاب. لأنهم لا يؤمنون بالانقلابات وان خيارهم هو «الثورة الشعبية» أو كما قال: وان موضوع اللقاء الرئيسي مع عرمان كان تبادل الأسرى بين الحركة والجبهة الثورية من جهة والحكومة من جهة أخرى وان ذلك في انتظار بعض الخطوات مع الحكومة والأجهزة المعنية. ٭ هكذا أصبح «السائحون» في ذهني شيئاً معلوماً بخطوطه وحدوده وفواصله، وأقول لهم كما قال بن علي للتونسيين «الآن فهمتكم» وربما فهمكم كثيرون غيري لم يكونوا يعرفون «أيه حكايتكم بالضبط»!!.