حرب الجنوب القديم ، وبرغم انها تطاولت حتى بلغت العقدين من الزمان ، الا انها كانت واضحة المعالم حسب المتفق عليه بين النخبة الشمالية والجنوبية حتى وا كان مسكوتاً عنه ، فالحركة الاسلامية ومن يشايعها من جماعات الاسلام السياسي تراء ان اقامة شرع الله خير وابقى من وحدة السودان بالطريقة القديمة التي راء البعض ان لاشئي يجبرهم على رد ماتنازعوا فيه الى الله ، مستندين على ان الله متم نوره ولو كره الكافرون . على الطرف الاخر ظلت النخبة الجنوبية تلتقي حول فصل الدين عن الدولة ، طالما ان الدين المعنى بذلك هو الاسلام ، الذي ينظرون اليه كدين يخص العرب ، وعليهم ان يجعلوا من احتفاظ النخبة الشمالية بالجنوب في ظل التوجهات الاسلامية للدولة امراً مكلفاً للغاية ، وللدرجة التي تجعلها تفضل الانفصال، نظراً لان التنازل عن الاسلام كسند سياسي لجماعة بعينها ليس وارداً ولو اريقت كل الدماء ، لذلك كانت الحرب معلومة النهايات وقد تطاول امدها حتى يخرج الطرفان باكبر قدر من المكاسب السياسية ، والتي تعني عند الجنوبين الانفصال بحدود 1956 وعند الاسلامين ان يكونوا سادة الشمال باعتراف دولي واقليمي ، وحين حدث توازن القوى العسكري ودخل الطرفان مرحلة الياس من القضاء المبرم على بعضهم البعض ، حيث لم تستطيع الحكومة تصفية الجيش الشعبي ولم يستطيع هو اقتلاعها ، بل لم يقوم حتى بتمدي تهديده الامني خارج الجغرافية التي اختارها سقفاً لطموحه السياسي ، ولم يعد في مقدور المجتمع الدولي ان يتفرج اكثر من ذلك على الماساة الانسانية جراء عمل الطرفين لترجيح ميزان القوى لصالحهم، كان لابد ان يحدث الاتفاق الذي انهى الحرب في عمقها الجنوبي وبشكل نهائي وحاسم، لتدخل العلاقة القديمة بين الطرفين الى مرحلة جديدة يمكن تسميتها بطوحات الدول المستقلة عن بعضها البعض ولكن تربطها علاقة جوار وتشابك مصالح تتو فر معطيات دولية واقليمة عديدة لمعالجتها . لكن الحرب التي انطلقت بعد العام 2010 ورغم ان القوات التي تحارب في المنطقتين كانت حتى الامس القريب جزء لايتجزاء من الجيش لبشعبي الا انها حرب جديدة ، تدور في جغرافيا مختلفة وتستثني الاختلاف الديني من التنوع المتعدد للسودان وان كانت تبقى على خلافات لغوية وثقافية وعرقية لاتقوم حجة اما تطبيق شرع الله، ليبقى النزاع كما كان من قبل نزاعا ربما بين النخبة الشمالية حول الموقف من علمانية واسلامية الدستور دون الزعم انه وفي مستواه ذاك يمكن ان يقصى اثنية بعينها على الاقل على اساس الدين ، وهو خلاف نحتاج الى حوار حوله في اجواء على الاقل يجب ان تتميز بعدم التوتر والشد والجذب ولن تحسمه الحرب مهما تطاولت، بل ان الاصرار على حسمه عبر ممارسة الضغوط العسكرية والدولية سيبقي الحرب بلانهاية وكذلك المفاوضات بلا سقوف.