كما نعلم جميعاً فإن الجريمة وجدت منذ القدم وهي ترتبط بالمجتمع وتلازمه مهما بلغت درجة تقدم أي دولة أو أي مجتمع، ومهما بلغت امكانات وقدرات الأجهزة المعنية بمكافحة الجريمة وتوفير الأمن والأمان. والجريمة بهذا المفهوم تشكل تحدياً كبيراً وخطيراً، لا يكاد ويخلو منه أي مجمع كما أوضحت ولا يسلم من أعراضها ومخاطرها وآثارها السالبة أي شخص ومن هنا جاء الاهتمام وتضافرت الجهود لاحتواء الجريمة والحد من درجة انتشارها ومخاطرها، والبحث المستمر عن أفضل وأنجح الوسائل والسبل الكفيلة بمواجهتها والوقاية منها بوضع خطط الدفاع عن المجتمع، واتخاذ كافة الإجراءات للحد منها وبالطبع تأتي التوعية الأمنية كأحد أهم المحاور الرئيسية المهمة في هذا الاتجاه وقد تحدثت في مقال سابق عن المخاطر التي تواجه النشء والشباب والاستخدام الأمثل لتقنيات العصر والتحديات التي تواجه المجتمعات بدون استثناء إما لطبيعتها أو طبيعة وسيلتها التقنية العالية أو لصعوبة السيطرة لأسباب عديدة أو لصعوبة السيطرة على جمهورها أو فئة المستفيدين أو زوار المواقع على الشبكة العنكبوتية، كما يسميها البعض وبهذا المفهوم فإن الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت) رغم أهميتها وإيجابياتها لها مخاطرها وسلبياتها جراء الإنطلاق إلى آفاق أرحب وأوسع من المعرفة والمعلومات، وأصبح الشخص رهين ثقافات مختلفة ومتباينة وأحداث مختلفة ويتفاعل مع مظاهر وسلوكيات خطيرة بعضها يتمثل في خصوصيات الآخرين ومخاطبة العواطف والغرائز وإثارة الشهوات بمشاهد وأعمال ومعلومات سيئة تدعو إلى نشر الرذيلة والتطرف والعنف والكراهية والإباحية، أحداث وسلبيات وفعاليات يتابعها الشخص وقد يتفاعل معها بدون رقابة أو متابعة وإن وجدت ربما تكون رقابة أو متابعة روتينية ضعيفة أو غير فعالة، وتزداد المخاطر بتنامي رغبة النشء والشباب والعديد من أفراد المجتمع في إهدار الوقت إذا كانت المتابعة غير سليمة وغير ذات فائدة، وهو ما يشكل خطراً كبيراً لأن الكثيرين يقضون ساعات طويلة لمتابعة ومشاهدة ما يبث من معلومات وممارسات فأصبحت خطراً يهدد المجتمعات ويهدم القيم النبيلة والعادات الطيبة، وأصبحت عاملاً من عوامل تغيير الاتجاهات ووسيلة من وسائل غرس ثقافة العنف، والتمرد والسلوك الضار، والممارسة الخاطئة، واهتزاز القيم الاجتماعية وإهمال الدراسة والتسيب عن الدراسة وربما العمل أيضاً، مما يؤدي إلى تشتيت الذهن والفكر والميل إلى الاسترخاء فيما لا يفيد وحرمان الجسم من النشاط الرياضي والراحة فضلاً عما يسببه قضاء ساعات طويلة في متابعة بث المعلومات والرسائل وملاحقتها من أمراض نفسية وعصبية وازدياد مشاعر القلق والصراع والاتجاه نحو الاغتراب الفكري والثقافي وغيرها من المخاطر التي لا تحصى، نقول ذلك وقد تزاحمت الأقمار الصناعية الفضائية وتعددت أهدافها واستخداماتها في الفضاء الواسع الممتد وهي في مجملها تشكل تحديدات ومخاطر لابد من الانتباه لها والتنبيه بمخاطرها عبر استراتيجيات وخطط تنفيذها في مجال الإعلام الأمني للتوعية بمخاطر الاستخدام الخاطئ لشبكة الانترنت، خصوصاً وأن التوعية الأمنية التي تهدف إلى غرس المفاهيم الأمنية والوقائية تشكل عنصراً مهماً من عناصر الارتقاء بالحس الأمني والوقائي وتعميق الوعي الأمني لدى جميع أفراد المجتمع وهو ما نهدف إلى تحقيقه عبر مشاركاتنا الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة، لأن الإنسان هو أغلى ما تمتلكه الدولة وهو المعني برعايتها واهتمامها مؤكداً أهمية دور الأسرة خصوصاً الأبوين في رعاية أبنائهم وبناتهم وهناك دور مهم للمدرسة والأندية العلمية والثقافية والرياضية وهيئات ومؤسسات الدولة وتنظيمات المجتمع المدني، لمواجهة كافة المخاطر التي تواجه المجتمع وأفراده وما أكثرها في هذا العصر، وعلى الجهات المعنية اتخاذ ما يلزم لحشد طاقات الشباب لمواجهة مخاطر العصر والجرائم المستحدثة وتنظيم المؤتمرات والندوات وورش العمل والسمنارات والمحاضرات لاثراء الثقافة الأمنية ونشر الوعي بين أفراد المجتمع بكافة ثقافاته وإعماره واعتماد سياسات إعلامية وطنية تهدف إلى تحصين المجتمع وحماية النشء والشباب وإنشاء قاعدة بيانات ومعلومات لرصد ومتابعة وتقييم وتحليل ما يرد من معلومات ومعها بالطبع الحرص الأكبر على رصد المواقع الخطرة على شبكة الانترنت واتخاذ ما يلزم بشأنها تقنياً وفنياً وقانونياً، وتنظيم حملات وطنية فعَّالة لتوعية المواطنين بالمخاطر وسبل تفاديها وبهذه المناسبة نؤكد تقديرنا التام لقرار تشكيل اللجنة التنسيقية الدائمة للوقاية من الجريمة، والتي تضم كافة الجهات المعنية والجهات ذات الصلة بالأمن بمفهومه الشامل ونتمنى دوام التوفيق وتحقيق الأهداف الوطنية والأمنية المهمة التي تقع ضمن اختصاصاتها، وبذات القدر من الاهتمام والتقدير نشيد بقرار تشكيل اللجنة العليا للسلامة المرورية متمنياً للجميع كل التوفيق وللوطن الغالي المزيد من الأمن والأمان والاستقرار والأزدهار ولجميع المواطنين والأعزاء، المزيد من السلامة والطمأنينة والسلام.