أود أن أخلص في نهاية مقالي هذا الى أن كل مشاكل السودان وأزماته وتدهور اقتصاده واستهدافه بمخططات خارجية لتقسيمه بعد فوضى محسوبة، كل ذلك مقدور عليه بخطوات وقرارات جريئة ملحة وعاجلة من الأخ الرئيس البشير. نبدأ بالتبشير بأن ميزانية العام 2015م جيدة من ناحية الايرادات المحلية المتوقعة والمؤدية الى استمرار وفرة السلع الأساسية، وعدم العودة المؤلمة للندرة ومعاناة المواطنين في صفوف الحصول على السلع الضرورية مثل المحروقات- السكر- الدقيق- الخبز، كما كان يحدث في الماضي ولتأكيد هذا فقد استمرت هذه الوفرة (بالرغم من غلاء الأسعار المرهق للمواطن) ووفرة السلع مع ارتفاع أسعارها أقل إيلاماً من ندرتها وتصاعد أسعارها- استمرت الوفرة في الأعوام 2012 الى 2014 بالرغم من أن كل المؤشرات والنظريات الاقتصادية توقعت حدوث انهيار اقتصادي في البلاد بعد خروج عائدات صادرات البترول بعد الانفصال 2011 من موارد الدولة.. في نظريات الاقتصاد أن قوة اقتصاد أية دولة يتمثل في حاصل ضرب الكتلة النقدية في سرعة دورانها في النظام المصرفي، والذي حدث في هذه السنوات الثلاث أن الكتلة النقدية الدائرة في النظام المصرفي تقلصت بنسبة حوالي 40% وهذه ال40% عبارة عن أموال مكدسة نقداً في خزائن مواطنين تستغل في عمليات الاقتصاد الخفي المتمثلة في شراء العملات الحرة الواردة بطرق غير رسمية نقداً عبر الحدود الشاسعة للسودان، وعبر تحويلات المغتربين خارج القنوات الرسمية، وذلك بسبب الفارق الكبير بين السعر الرسمي وسعر السوق الأسود، وأيضاً عبر سوق السيارات والسلع الأخرى غير الضرورية التي تعج بها أرفف المحال التجارية الفخمة.. هذا من ناحية تقلص الكتلة النقدية داخل النظام المصرفي والعنصر الثاني في قوة الاقتصاد هو سرعة دوران الكتلة المتبقية، وهذه السرعة أيضاً انخفضت بسبب التعثر في استرداد البنوك لمديونياتها، وأكبر شاهد على ذلك كثرة الاعلانات في الصحف اليومية عن بيع العقارات والأراضي والمعدات المرهونة لدى البنوك، وفي تسعين في المائة من الحالات أن قيمة هذه الأصول المرهونة بعيدة كل البعد عن مبلغ المديونية، وفي حالات تصل قيمة المرهون أقل من 50% من المبلغ المدفوع من البنك مقابل عمليات وهمية أو غير واقعية، وهذا التعثر أيضاً تأكد عندما أصدر بنك السودان قائمة سوداء قبل سنوات قليلة تضم رجال أعمال كبار ونافذين تم اعتقال بعضهم ومنع التعامل معهم، وذلك في نشرة عممت على كل البنوك، ولكن عاد الحال وأطلق سراح من اعتقل وتمت جدولة المديونية للبعض الآخر، هذا التعثر ومن حجم الأموال لا يقل عن 30% أي أن قوة الاقتصاد انخفضت الى 42%.. لذلك حسناً فعل خبراء بنك السودان والمالية في غض الطرف عن معاملات الاقتصاد الخفي، وذلك بعدم ملاحقة البنوك في قبول عملات حرة نقداً وبكميات كبيرة من كل المستوردين شركات كبرى وأفرادا- حسناً فعلت لأن ذلك عملياً ليس في مقدور القنوات الرسمية مقابلة الاحتياج الى العملة الحرة بسبب تدني عائدات الصادر خاصة البترولية وأية مواجهة لهذا الاقتصاد الخفي كانت ستؤدي الى انهيار اقتصادي ولسان حال المسؤولين (ما يجبرك على المر إلا الأمر) وفي ذلك نظرة واقعية، ولكن ثمن هذا (المر) هو توقف التنمية خاصة في إعادة تأهيل هياكل الاقتصاد وأعمدته التاريخية مثل مشروع الجزيرة. نستعرض في اختصار غير مخل وأرقام غير معقدة مشروع موازنة 2015م حتى يسهل للقارئ العادي تفهم معالمها البارزة: مجمل الايرادات العامة والمنح الأجنبية حوالي 62 مليار جنيه، وجملة المصروفات المتوقعة حوالي 68 مليار جنيه (اثنين وستين ثمانمائة وستون مليار- ايرادات ومصروفات) أي ان العجز حوالي 6 (ستة) مليارات جنيه نفطي من تمويل خارجي واستدانة محلية أكبر مصدر للايرادات (64%) من الضرائب المباشرة وغير المباشرة (مثل الضرائب على السلع والخدمات والتجارة وهي تشكل أكثر من 90% من جملة ايرادات الضرائب) وهي ضرائب يدفعها المواطن مباشرة وتؤدي الى ارتفاع الأسعار، وعليه يتوقع في العام 2015 أن تستمر الوفرة في السلع وزيادة في أسعارها، إذ أن الربط الضريبي في الميزانية الجديدة يزيد بنسبة 40% عن العام الماضي، وكذلك تحدد الميزانية الجديدة زيادة في المعاملات الإدارية بنسبة 32% على صعيد الانفاق العام في الميزانية والمقدر حوالي 60 (ستون) مليار جنيه أهمه متمثل في حوالي 19 (تسعة عشر) مليار مرتبات- شراء سلع وخدمات حوالي 7 (سبعة) مليارات- دعم سلع استراتيجية حوالي 10 (عشرة) مليارات جنيه أهمها المحروقات، لذلك إذا استمر البترول العالمي في سعره الحالي المتدني أو انخفض فسوف تحدث وفرة مالية في هذا البند من المصروفات وهو شيء إيجابي للميزانية ومن المصروفات الرئيسية المهمة بند الصرف على قطاع الأمن والدفاع حوالي 14 (أربعة عشر) مليار جنيه بإضافة الأجور للمنتسبين لهذا القطاع وهي حوالي 12 (اثني عشر) مليار تكون نسبة الصرف على قطاع الأمن والدفاع من مجمل تقديرات المصروفات حوالي 44% وهي قل من العام الماضي التي كانت حوالي 70% (سبعين) باقي القطاعات مرصود لها في ميزانية 2015م ما يلي: الصناعة 218 مليون- الزراعة 1300 (ألف وثلاثمائة) مليون- الصحة 780 (سبعمائة وثمانون) مليون- التعليم 1100 (ألف ومائة) مليون والثقافة 438 مليون إضافة الى مصروفات أخرى مثل الانتخابات- الوفود والمؤتمرات والضيافة- الشباب والرياضة، وكما قلنا في بداية المقال إن الميزانية جيدة من حيث الإيرادات المتزايدة بسبب الضرائب غير المباشرة على السلع والخدمات والرسوم الإدارية المتزايدة ومنتعشة بسبب ازدهار الاقتصاد الخفي خارج القنوات الرسمية في شكل عملات صعبة تدخل البلاد أو لا تدخل مثل تهريب الدولار النقدي عبر الحدود (غسيل أموال) أو لا تدخل مثل تحاويل المغتربين التي تدفع محلياً بالجنيه وتبقى بالخارج عملة حرة في حسابات مواطنين بعد أن يسددوا قيمتها محلياً وبسعر السوق الأسود الى ذوي المغتربين بالسودان، وهذا يفسر عدم تاثر عدد كبير من المواطنين بارتفاع الأسعار فنشاهد التزايد وازدحام الطرقات بالسيارات طوال ساعات اليوم بالرغم من زيادة سعر المحروقات في العام 2013 عندما اندلعت مظاهرات راح ضحيتها أبرياء من أبناء الشعب، وكذلك نشاهد نمو وتزايد المطاعم والمقاهي الفاخرة واكتظاظها بالرواد بالرغم من أسعارها الغالية، والسفر المتزايد خارج البلاد للسياحة والترويح والعلاج، ويومياً تغادر البلاد اكثر من عشر سفريات جوية كلها مملوءة ومحجوزة منذ شهور، كيف نفسر استقرار سعر الدولار والصادرات في انخفاض والدولار عبر المصارف منعدم تماماً؟ إنه الاقتصاد الخفي في ظاهره الرحمة وفي باطنه الدمار، لأنه لا يساهم في التنمية والانتاج وهما عماد كل اقتصاد قوي مستدام لأن السوق أو الاقتصاد الخفي ظواهر سطحية غير مستدامة تحجب الضعف الحقيقي في الاقتصاد القومي كما في ميزانية 2015م هذه. ما نود أن نسلط عليه ضوءاً ساطعاً في هذه الموازنة هو استمرار الصرف الكبير على قطاع الأمن والدفاع، بسبب استمرار وتنامي الحروبات في مناطق الآن محدودة ولكن قابلة للزيادة في مناطق أخرى بسبب التهميش وعدم الاهتمام بالتنمية المتوازنة لكل مناطق السودان مثل الشرق الذي يعتبر الآن منطقة هشة وخصبة لتنفيذ المخططات الرامية الى تقسيم السودان. لكل ما تقدم فإن الأخ الرئيس تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة تاريخية ومفصلية تجعلنا نناشده بالتحرك الفوري الجريئ للعمل بكل ثقة دون الالتفات الى مهددات خارجية أو داخلية الى وقف الحروب في دارفور وجنوب كردفان، ولن تتوقف الحروب هذه إلا بالتحرك من ثوابت ومواقف ظلت حجر عثرة في كل محاولة لايقافها، وأهم هذه الثوابت والمواقف ثلاثة لا أكثر هي: الدعوة لمفاوضات جادة في منبر جديد غير الدوحة للفصائل العسكرية والمدنية المؤثرة في استدامة الإنفلات الأمني والنزوح في دارفور، وثانياً: القبول بالجلوس مع قطاع الشمال بمرجعية الاتفاقية الاطارية وثالثاً: الحوار الوطني الجاد بعد حل أزمتي دارفور والمنطقتين عبر مفاوضات جديدة وجادة كما أسلفنا في (أولاً وثانياً) أعلاه، وقبل كل ذلك يعلن الأخ الرئيس تأجيل الانتخابات العامة وقصرها على الانتخابات الرئاسية فقط في أبريل 2015 حتى لا يحدث فراغ دستوري يؤدي الى أي نوع من الفوضى، والرئيس المنتخب الجديد له من الصلاحيات في الدستور ما يمكنه من إدارة البلاد حتى الفراغ من انهاء أزمات دارفور وقطاع الشمال، وإدارة حوار وطني بعدها لوضع دستور دائم بناء على ما تسفر عنه تلك المفاوضات، حتى وإن أفضت الى إعادة هيكلة حكم السودان في أقاليم كبرى قليلة العدد.. وكما قلنا فإن الموازنة لمصروفات الأمن والدفاع تبلغ في مجملها حوالي 26 (ستة وعشرين) مليار جنيه أو 44% من جملة المصروفات.. عليه وقف الحروب في دارفور والمنطقتين سوف يوقف نزيف ما لا يقل عن 15 (خمسة عشر) مليار جنيه من هذا البند وتبقى فقط مصروفات المرتبات وهذه ال15 مليار جنيه تشكل حوالي 25% من جملة المصروفات يمكن أن توظف في إنشاء وتنمية الأقاليم الكبرى المقترحة، مع العلم بأن سعر البترول العالمي اذا استمر في الإنخفاض أو حافظ على سعره الحالي سيوفر ما لا يقل عن خمسة مليارات جنيه مرصودة في الميزانية لدعم المحروقات، وهي تعادل حوالي 8% من جملة مصروفات الميزانية أي أن مجمل الوفر في بند المصروفات يبلغ حوالي 33% من جملة المصروفات المتوقعة مع تأكيد حقيقة مهمة جداً وهي أن وقف الحروب في السودان وعودة الاستقرار مع إعادة العلاقات الدولية التاريخية الى سيرتها الأولى سيفتح الباب أمام سيل هائل من المنح والقروض الدولية، وهذه أيضاً إضافة الى الايرادات غير مرصودة. توكل أخي الرئيس ونحن معك في هذا المنحى. والله الموفق. }} ماقاله السيسي أمام علماء الأزهر في الإحتفال بالمولد النبوي الشريف أخطر وأهم من بيانه الذي أطاح بالرئيس مرسي.. لأول مرة يضع رئيس مصري الأزهر أمام مسؤوليته الفكرية بدلاً أن يكون (مشرعناً) لسياسة الحاكم.. فهذا دور لا يخدم الحاكم كثيراً لأن السلطة في مصر تكتسب قوتها من مصادر كثيرة يشكل الأزهر منها جزءاً صغيراً.. لكن ذات السلطة يخرج عليها بين الحين والآخر من يكفر المجتمع ومن يهاجم السواح ومن يقتل فرج فودة ومن يجرح نجيب محفوظ ومن يحطم معرض الكتاب ومن يحرم الموسيقى ومن يحرق كنيسة.. وما كان لهذه الظواهر أن تكون لو أن المؤسسة الدينية إضطلعت بدورها المهم في التنوير.. قال الرئيس السيسي بعبارات واضحة تنفض الغبار وتكسر الجمود وتطرد الخمول (لازم نتوقف كثيراً قدام الحالة اللي أحنا موجودين فيها.. مش ممكن يكون الفكر اللي بنقدسو ده يدفع بالأمة دي بالكامل أنها تبقى مصدر للقلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها.. مش ممكن يكون الفكر ده أنا مش بقول الدين الفكر اللي تم تقديسه نصوصا وأفكارا لمئات السنين.. وأصبح الخروج عليها صعب أوي.. لدرجة أنها بتعادي الدنيا كلها.. يعني ال 6/1 مليار حا يقتلوا الدنيا كلها اللي فيها سبعة مليار عشان يعيشوا همّ ؟ مش ممكن ..الكلام ده أنا بقولو هنا في الأزهر أمام رجال وعلماء الدين .. والله لاحاججكم به يوم القيامة أمام الله سبحانه وتعالى على اللي أنا بتكلم فيه دلوقت).. أورد النص حرفياً لأهمية ما قاله الرئيس .وتزداد أهميته مع تنامي ظاهرة التطرف، والإسلام تقدمه للعالم تنظيمات مثل داعش والقاعدة و بوكو حرام وجبهة النصرة وأنصار الشريعة.. ويكتسب حديث الرئيس أهمية إضافية لأن المؤسسة السياسية في مصر لا تكتفي ب (الشكوى) يضعف دورالأزهر الشريف وكل المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي لأنها رضيت لنفسها بدور المتفرج قانعة من مهمتها الأصيلة بالقشور , ليظل التراث الإسلامي مليئاً بنصوص يحار المرء كيف بقيت لمئات السنين رغم ما تحمله من أفكار تهزم غاية الدين وتسئ إليه، بل ويسئ بعضها للنبي نفسه عليه أفضل الصلاة والتسليم.. يصدم المسلم العادي وبلا حاجة لشهادة أو مشيخة حين يعلم أن (صحيح) البخارى يحمل رواية تقول «إن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام أراد أن يقدم على الانتحار متردياً من شواهق الجبال» .. هل هذه رواية تبقي لدقائق في مرجع إسلامي (أساسي) لو أن العلماء يضطلعون بدورهم و يزيلون على الفور ما يتعارض مع جوهر الدين .. هذا المثال الصاعق، تتدرج بعده الآراء غير الموفقة تجاه حرية المعتقد وما تجره من حرج فكري .. وما مثال مريم أبرار ببعيد عن الاذهان.. حالة الإنفصام بين المجتمع المسلم والمؤسسات الدينية جعلت أبناء المسلمين يرسمون اللوحة ويؤلفون المقطوعة الموسيقية، ويصافحون المرأة ويخالطون النساء، ويستمعون للغناء، ويقيمون معارض الكتاب، ومهرجانات الموسيقى، ويشاهدون الأفلام.. فيصالحون العصر والدين.. لكن يحزنهم أنهم لا يصالحون علماءهم أيضاً .