رسائل أسبوعية، كل جمعة درج الأستاذ الياس الأمين عبد المحمود على إرسالها لعدد من أصدقائه، رسائل صداقة حميمة وتواصل وموّدة.. آخرها كان قبل يومين. رسائل سنوية كان يبعث بها إلى أصدقائه كل عام في ذكرى إنتفاضة السادسة من ابريل عام 5891م، قبل وصول وإستخدام الهواتف المحمولة ذات إمكانيات إستقبال وإرسال الرسائل النصية، كان يعتمد على المحادثات الهاتفية القصيرة من الهواتف الثابتة، أو إرسال الرسائل الورقية المكتوبة، قبل أن تتحول إلى رسائل قصيرة «SMS» قبل سنوات، تبدأ دائماً بعبارة: «في ذكرى إنتفاضة السجم والرماد»، فقد كان هذا هو رأي «كبير سدنة النظام المايوي» كما كنت أسميه ويسعد بذلك، وكان له رأي سالب في الإنتفاضة وما تبعها في فترة الديمقراطية الثانية. ،لن تكون هناك بعد اليوم رسالة تحمل تلك المفردات أو تتضمن تلك المعاني، فقد رحل فجر أمس السبت الأخ والصديق العزيز الأستاذ الياس الأمين عبد المحمود.. رحل نهائياً عن دنيانا وأصبح في عالم آخر بين يدي مليك مقتدر نسأله أن يتقبله القبول الحسن، وأن يرحمه ويغفر له ويجعل مقامه في الفراديس العُلي بإذنه تعالى. إعتباراً من الأمس، لن تستقبل هواتفنا وهواتف أصدقائه رسائله الذكية المتفائلة، فقد نضب حبر الحياة.. وانطوت في قلوب الأحبة حسرة. علاقتي بالأخ والصديق الراحل المقيم الأستاذ الياس الأمين، قديمة، تعود إلى بداية العقد الثامن من القرن الماضي، وكنت وقتها محرراً في صحيفة «الأيام» الغراء إحدى صحيفتين رسميتين كانتا تصدران في العهد المايوي، تتبعان اسمياً للاتحاد الاشتراكي السوداني، الذي يتولى فيه الراحل المقيم الأستاذ الياس الأمين مهام ومسؤوليات إدارة المراسم وقتها مع عضويته في مجلس الشعب، وكان مسؤولاً عن الاعلام، وقد تعرفت عليه بحكم عملي محرراً برلمانياً مكلف بصفة رسمية بتغطية أعمال مجلس الشعب وأصبحت قريباً منه وزميلي الصحفي الكبير الأستاذ نجيب نور الدين رغم إختلافنا السياسي معه، لكن في ذلك الوقت لم يكن نظام الحكم يحجر على مخالفيه العمل في مؤسساته الاعلامية، وقد ظل الأستاذ الياس الأمين رحمه الله يقول لي امام الجميع: «أنت زول كويس شديد.. عيبك الوحيد إنك شيوعي».. ولا أدري من أين جاء بذلك، ولم تتغير قناعته تلك إلا بعد سنوات. زرته في منزله بشمبات عقب عودته من رحلته العلاجية الأخيرة في مصر، كان قوياً ضاحكاً مستبشراً يبث فينا التفاؤل ولا يشعرك أنه مريض أو عائد من رحلة علاجية.. وهو هكذا منذ أن عرفناه. بالأمس ذرف الرجال الدموع، وعشعش الحزن في الأفئدة، ليس بين أهله وذويه وجيرانه ، وليس بين زملائه في اتحاد اصحاب العمل، وليس بين الجماعة المايوية، بل في كل أفئدة الذين عرفوه من أهل مايو أو مخالفيها، فقد يختلف معه كثيرون سياسياً، لكنهم لا يختلفون حوله إنسانياً.. رحم الله الأستاذ الياس الأمين عبد المحمود، رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.. آمين.