نحن شعب تتشعب حكاياته في فصول العام الأربعة.. هذا إن وجد لنا «ربيع».. لأن الربيع يأتي أياماً معدودات في كل عام وأيضاً له من الحكايات ما يحرك مجالس أسمارنا ولقد عرفنا من الأزل بالتوادد والتراحم خاصة عند المحسن. ومن طرائف الخريف أنه في ليلة الرابع من أغسطس عام 1988م أحضرت لنا والدتنا (حاجة الحرم) عليها رحمة الله العشاء وكان صحناً من فول (شدته) في البيت.. ولأننا كنا قد شبعنا من الشاي باللبن و«الزلابية» قبله رفضناه وقلنا لها إنه لم يستوِ بعد. ونمنا ليلتنا التي كانت أصعب ليالي السودان عامة والدروشاب خاصة عندما هطلت الأمطار غزيرة وجاءت السيول واجتاحت المدن ولم يجد الناس في الصباح مخبزاً يعمل ولا فحماً ولا عوداً جافاً.. فكان أن سخنت الحاجة ذلك الفول ببقية فحم كان ب «الكانون» وأحضرت جوالات كان بها خبز جاف وبدأت تعبيء صحون الفتة التي فطر بها كل الجيران وكان ذلك الفول (الني) مع البرد والرطوبة أحلى فول تذوقناه في حياتنا. أما الشتاء الذي أقبل (بعياله) هذه الأيام لا زال يذكرني عند كل قدوم له (بالشحاد) الذي كان يجلس قرب عمود في (سوق بحري) وخلفه جوالات ملفوفة واشتد البرد في بداية الثمانينات ووجد الرجل صباحاً ميتاً من البرد والجوع.. وحين البحث في جوالاته وجدت مليئة بالمال الذي كان يمكن أن يشتري له بيتاً يدفئه. ومن طرائف هذا الشتاء الذي يتحفنا هذه الأيام أن أحد الأطفال رفض الاستحمام صباحاً وقال لأمه (أنا سمعت الوزير قال التلاميذ ما يبردوا يقفلوا الشبابيك.. يبقى الحمام مفروض ما يكون لأنه ببردنا).. وكده أنتِ خالفت القرار.. فضحكت أمه. ومن اللطائف أن قرار تأجيل بداية الدراسة في الخرطوم لم يتضرر منه أحد ووجد وزير التربية دعوات صالحات من كثير من الأمهات عكس التذمر الذي وجده نفس القرار في ولاية الجزيرة من بائعي وبائعات الإفطار للتلاميذ.. فقد شعروا أن أرزاقهم قطعت لأن تلاميذ الولاية جميعاً باتوا يتناولون إفطارهم في المنازل ثم يذهبون للمدارس مما أثر كثيراً في ميزانياتهم ونسبة أرباحهم.. عكس الآباء الذين نزل القرار برداً وسلاماً عليهم بعد أن أصبح التلاميذ والتلميذات يفطرون في المنزل حيث الطعام المضمون والأسعار المناسبة فأكثروا الدعوات لوزيرهم. أحد الظرفاء قال حتى الشمس في ولاية الخرطوم أعجبها القرار وصارت تشرق بعد الساعة التاسعة صباحاً.. وكل برد وأنت بأدفأ عافية. { حيدر محمد علي