كان خروج الوزير السابق أسامة عبد الله من الحكومة متوقعاً لمن يعلم ببواطن الأمور في المؤتمر الوطني، بعكس غمار الناس الذين يعتقدون أن أسامة لن يبارح السلطة لجهة تقربه من رئيس الجمهورية.. لكن عندما تم طرحه وزيراً في وزارة جديدة في الحكومة الأخيرة قال المكتب القيادي للحزب الحاكم كلمته وحجب عنه الثقة، بل أن النتيجة جاءت صادمة عندما خسر عبد الله خسارة مذلة داخل الحزب. وتلقى أسامة لطمة ثانية عندما تجاوزته خيارات الحزب للمؤسسات التنظيمية، لكن أصر أن يكون على مسرح الأحداث عندما فاجأ الرجل الجميع بتأسيسه مؤسسة (سودان فاونديشن) والتي كشف عن برنامجها المثير للجدل والذي يكاد يكون برنامج دولة وليس مؤسسة، مما جعل الجميع يتساءل من أين لأسامة بهذه الأموال؟ وماذا يريد؟ وكان قد دفع بالدكتور محمد عوض البارودي مديراً تنفيذياً للمؤسسة ليأتي الأخير أيضاً ويواصل مسلسل المفاجآت بترشحه لرئاسة الجمهورية.. وهو الأمر الذي علق عليه الكاتب الصحفي الصادق الرزيقي (من أقرب أصدقاء البارودي وعمل معه لسنوات) بالقول: «لابد أن شيئاً عظيماً وغالباً، ودافعاً قوياً وحاسماً هو الذي جرَّ الأخ بارودي الى الإنجرار وراء بهرجة السياسة ولظاها المشتعل».. وبالطبع للبارودي الحق في الترشح، ولكن هل الأمر تم بمعزل عن أسامة عبد الله؟ وهل أسامة بعيد عن خطة أو مخطط- سيان- البارودي؟ يبدو غريباً أن يكون أسامة بعيداً عن ماحدث، وهو الأمر الذي لم يستبعده الرزيقي في زاويته الراتبة بأخيرة (الإنتباهة) الذي قال :« قد يكون البارودي استشار بعض خاصته المقربين أو وجد في برنامج المؤسسة التي يديرها (سودان فاونديشن) التي أسسها أسامة عبد الله وجد فيها من البرامج المتكاملة والمشروعات العظيمة والتصورات الشاملة، مايشجع على طرح برنامج طموح واستلهامات خلاقة لقيادة دفة الحكم في البلاد.. لكن البارودي نفى في الحوار الذي أجرته معه الزميلة (التيار) أمس أن يكون تشاور مع أسامة أو حتى زوجته- حرم البارودي- مع أنه عكف على تدوين برنامجه منذ عامين. ليس هناك خلاف بأن سودان فاونديشن عمد أسامة من خلالها على الوجود على مسرح الأحداث بكل ما أوتي من قوة رغم أن الفكرة ظهرت دون الطموح للمراقبين، ومما فتح أبواب التساؤل هو من أين لأسامة بالأموال التي يمكن أن تدير مشروعات وأفكار بحجم الطرح الذي قدمه، وقد أتى أسامة بطاقم عمل من المقربين إليه، وعلى رأسهم البارودي والذي حاول رفع الحرج من رئيسه، أو لنقول حاول إنقاذه من أي إتهامات توجه له، بأنه ضد الحزب الحاكم ومؤسساته أو ضد الرئيس البشير شخصياً عندما أبلغني أمس عبر رسالة نصية أنه استقال من المؤسسة يوم ترشحه.. لكن قد يفسر ميلاد سودان فاونديشن بأنها مشروع لتبني شخصية معينة لأهداف محددة وليس بالضرورة أن تكون تلك الشخصية صاحب الفكرة نفسها- أسامة عبد الله- فتبنى الشخصيات باتت صناعة يمكن أن تصل مرتبة تقديمهم للرئاسة أو حتى المناصب الأقل منها، ونشير أن محمد جودابي القريب جداً من أسامة ومن ضمن طاقم مؤسسته استطاع أن يكون ضمن المرشحين لمنصب الوالي بولاية نهر النيل، غير متناسين أن أسامة معهود فيه ترشيحه للقيادات الشبابية في كافة المواقع حتى في الولايات. ورغم الصيت الذي كان يحظى به أسامة إلا أن الغريب هو تجاوزه تماماً في كل المناصب بما فيها المجلس الوطني، خاصة وأن عدد من غادروا معه عادوا مرة أخرى عبر واجهات مختلفة مثل وزير المعادن السابق كمال عبد اللطيف الذي كلف بأمانة المنظمات والعمل الطوعي، والنفط د. عوض الجاز الذي رشح للبرلمان، وكذلك رجلا القصر علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع، بل حتى عضو البرلمان صلاح عبد الله (قوش) الذي اتهم بالإنقلاب على الحكومة تم تجديد الثقة فيه، ولذلك كان تغييب أسامة مثار تساؤلات، ويتطابق ذلك مع الحصار البائن الآن لما كان يقوم به في وزارة الكهرباء والسدود من خلال تغييرات كبيرة وجذرية قام بها الوزير الهمام معتز موسى، في الوزارة سارعت من وتيرة العمل وحققت نجاحات ملحوظة. لكن حتى لا نمضي في اتجاة الارتياب من خطوة البارودي خازن أسرار أسامة عبد الله قد يكون ترشحه تجميل لصورة المرشحين للرئاسة، والذين هم مثيرون للجدل والنقاش، خاصة وأن البارودي ليس من قيادات الصف الأول أو الثاني بالحزب، وكان قد غادر الى لندن وأدار ظهره للحزب حتي أنه حصل على جنسية بريطانية. ومهما يكن من أمر فإن الأيام القليلة المقبلة ستكشف حقيقة ترشح البارودي وربما حقيقة (سودان فاونديشن) تلك المؤسسة التي قامت فجأة.