جاء في الأخبار المتناقلة عموماً، أن هناك اتجاهاً لتعديل القويم المدرسي ليبدأ في سبتمبر وينتهي في مايو، بدلاً عن التقويم القديم.. والغريب في الأمر أن التقويم القديم- المفترى عليه- هو قديم قدم بخت الرضا المؤسسة التربوية التعليمية الأولى في السودان، والتي أنشئت في أوئل الثلاثينيات من القرن المنصرم على يد عميدها المستر قريفث، واضع لبنة مناهجها، ومرتب برامجها، ومنسق فترات دراستها، وعطلاتها بعمق وفهم لكل ظروف السودان البيئية والمناخية والاقتصادية والاجتماعية لأجل تطوير هذا البلد النامي، والأخذ بيده إلى مدارج الرقي والتقدم.. وقد انطلقت كل هذه البرامج من (قطية) للمستر قريفث عند مدخل بخت الرضا، ولم تبارح مكانها حتى الآن نبراساً يضيء طريق العلم والمعرفة عند مدخل جامعة بخت الرضا الحالية، وبالرجوع إلى ما جاء في الأخبار، نجد أن الدعوة لهذا التعديل جاءت نتيجة للأمطار الغزيزة والتي ضربت الخرطوم وأغرقتها وأحدثت دماراً كلياً وجزئياً في كثير من المدارس، مما نشَّط القيام بهذه الدعوة والتي لا نرى ضرورة للمناداة بها، وذلك لما أسلفنا ذكره من نظام system)) قد وضع بكل دقة، ورؤى سبقته الدارسات الميدانية المعاشة لأصحاب الفكرة والمنفذين.. إذن فليس المطلوب تعديل التقويم المدرسي ليتوافق مع المناخ، وإنما المطلوب إصلاح البيئة المدرسية وتأهيلها بما تتوافق وعناصر المناخ المختلفة عندنا من مطر وحر وزمهدير. وخليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عمر الفاروق- رضي الله عنه- لما قال: «لو عثرت بقرة بالعراق لسئل عنها عمر» لم يقل ذلك ليؤكد لنا مسؤوليته عن كل ما هو موجود داخل حدود خلافته فحسب- فهذا معلوم- حيث أن كل راع مسؤول عن رعيته.. ولكن ليؤكد لنا ذلك الخليفة العادل- بعيد النظر- ثاقب الفكر، عالي الهمة أنه إذا كان للبهائم حق يقع على عاتق من تولى شؤون المنطقة التي تعيش فيها فإن هذا الاهتمام وأكثر أولى به وأحرى أن يكون لبني البشر، والذي جعل الله كل واحد منهم خليفة له في هذه الأرض.. فالخليفة عمر مسؤول عن تسوية الأرض للبقرة لكي لا تعثر في مشيتها، ولتأكل ما طاب لها من نبات الأرض.. تيسيراً لسبل عيشها بما يؤمن لها حياة مستقرة، تكون بها قادرة على إرضاع صغارها، والمحافظة على نوعها، باستمرار نسلها.. وذلك اقتداء بهدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (وفي كل كبد رطبة أجر) وإيماناً بايفاء المسؤولية حق توليها. ومن مأثور موروثاتنا في هذا الخصوص يحضرني رد أستاذنا الجليل أحمد حاج علي مدير المدرسة المتوسطة وقتذاك لتدريب المعلمين بمعهد بخت الرضا - رحمه الله- عندما أتى أحد المعلمين متأخراً، وسأله عن سبب التأخير، فأجاب المعلم معتذراً بأن الأمطار كانت السبب فما كان من الأستاذ القدير أحمد حاج علي إلا أن قاله له: هل هذا يعني أن الدراسة متعطلة تماماً في انجلترا؟ بمعنى أن انجلترا تقع في أبعاد جغرافية، وتمر بها فواصل مدارية تجعلها ممطرة معظم أيام السنة تقريباً، ولا تتوقف الدراسة بها، ولا الحياة لثانية من عمر الزمان وهاهي دولة قطر الشقيقة تحظي باقامة مونديال كأس العالم للعام 2202 إن شاء الله، وهي بذلك تجابه من التحديات مثنى: تحدي المتشككين في نجاح ذاك المونديال في كل مكان.. وتحدي طبيعة البيئة القاسية عندهم.. وهاهم ماضون في تذليل كل العقبات التي تفترض تحقيق حلمهم الأبدي بكل ثقة وثبات واقتدار لانجاح هذا المشروع الحضاري المهم بإذنه تعالى، وهكذا جسارة التحدي، وعظم المسؤولية، فإذا كانت المدراس أصلاً لم تكن مصممة تصميماً محكماً بحيث تقاوم كل العوامل الطبيعية من تعرية، وتصدع، وانهيار، فإن الخريف حتماً سيؤثر فيها سواء أكانت مأهولة بالتلاميذ أو كانت خالية عنهم، وسيظل الخطر قائماً عند عودة التلاميذ اليها بعد الخريف، وعليه فإن العلاج يكمن في تأهيل البيئة المدرسية، بما يجعلها مواكبة لكل الظروف، ومقاومة لكل الظواهر، وبالتالي سيحرص أبناؤنا على تحصيل دروسهم طالماً هم في أمن وأمان من مخاطر الخريف وغيره.. كما كنا وكما كان آباؤنا وأجدادنا لما يقارب القرن من الزمان (حوالي ثمانون عاماً وتزيد). كما لا يفوتني أن أذكر أن الفترة المقترحة للتعديل تشمل فترة الصيف والذي حره أشد فتكاً بأبنائنا من مطر الخريف، وهاهو الشتاء يفاجأنا بغير ولا ندري ما تخبئه لنا الأيام من مفاجآت في مواسمها المقبلة.. فإذا كان المطر يتلف المباني وتعثر معه الطرق، وهو مقدور عليه فإن الصيف تصعب مقاومته بما يصل درجة عدم السيطرة عليه في كثير من الأحيان، وأنه يفقدنا فلذا أكبادنا، وهذه واحدة من فداحات الخسارات الكبرى، أن نفقد الولد ونضيع البلد.. فأبناؤنا فلذات أكبادنا تلاميذ اليوم ورجال الغد الذين نعدهم ليخلفونا على تعمير الأرض من بعدنا.. ليتعهدوها بالحماية والعناية والتجديد والابتكار حسب سنة الحياة في مقبل أيامهم، فلماذا لا نمهد سبل الحياة ليدركوا غاية الأمل. ومما هو جدير الوقوف عليه وقمين بتدقيق النظر فيه، أن هذا الأمر من الشؤون القومية المهمة، والتي يجب أن نراعي فيها المصلحة العليا للوطن والمواطن.. فيجب أن نتريث في إصدار قرار بشأنه، وأن نتوخى الدقة ونحتكم إلى العقل، ونستثير الحكمة، ونتحوط بالخبرات والتجارب الصادقة لمفاجآت الإفرازات والتي عادة ما تصاحب مثل هذه المشاريع الجديدة على الناس، وذلك لأن التعليم أساس نهضة البلد وتنميتها، وصوت مكتسباتها، ومفجر طاقات بنيها، وسابر أغوار مكتنزاتها براً وبحراً وعمقاً.. فقرارات التعليم والتعلم قرارات أمة أن تكون أولا تكون.. ومصير أجيال مرجوون أو مندثرون، فيجب أن نجلس اليها جميعنا من حكام ومحكومين، ومعلمين وتربويين، وباحثين اجتماعيين، وعلماء نفس، واقتصاديين، وأطباء، وفلكيين واختصاصيين في مختلف التخصصات التي تهم التربية والتعليم لكي لا نعض أصابع الندم حيث لات مندم.ذلك أن هذه القرارات ليست بالقرارات الفردية، وإنما هي من القرارات التي يجب أن يشترك فيها الجميع لتكون مسؤوليتها جماعية أمام الناس كافة وأمام الله يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً، والأمر يومئذ لله (ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). والسلام مدرسة كِبس الخرطوم العالمية