«1»في أوائل الستينيات كانت عربات الناخبين تزرع فضاءات قرانا البعيدة بمايكرفوناتها العتيقة المعلقة على عربات اللاندروفر..الوطني الاتحادي من جهة، وحزب الشعب الديمقراطي، من جهة أخرى تلك ربطة عنق الأزهريين وزمرتهم من رجالات الحركة الوطنية، وتلك عمامة الختمية التي تؤيدها نفيسة بت بابكر الرفاعي بانشادها القوي وقفت يومها في وجه الزخم الاتحادي منادية بعلو الراية الختمية للسيد علي الميرغني ومنددة بشراسة منافسيه الاتحاديين: الليل يا علينا حال الدولة لينا سقط الاتحادي وقالوا كلامو فاضي وداعنّوا الروادي في قريتنا تلك«الأركي» من أعمال مركز مروي كان لنفيسة بت بابكر صوتاً جهيرًا، فلم تكتف بأدبياتها الحزبية والسياسية، وإنما امتد دورها ليشمل مديحها خلف ومع شباب الختمية على القوز أمام جامع الأركي العتيق هناك، حيث كانت الرايات والنوبة ودواوين (النورالبراق) والرتاين المضاءة تضيء أركان القرية من حوش الوالد الخليفة عبد الرحيم الزبير الى صحن المسجد.. نفيسة بتعبير زماننا هذا ناشطة لا يشق لها غبار كانت هي التي وقفت في وجه خصومها السياسيين ذات يوم مناهضة لهم بأقسى التعابير: الكلاب جروا حالن للعدو أهل الدولة جوا «2»نفيسة بت بابكر ببعديها السياسي والروحي، كانت حاضرة في الملتقى الأسري بالنادي العائلي قبل اسبوعين كانت روحها تطوف حول المكان عبر جمع ضم الشيب والشباب الذين عقدوا العزم على وضع برنامج يعيد لقريتنا التي هجرها السُمار، وغزتها جيوش الاشجار الغريبة.. كثيرون كانوا هناك وعبر الهواتف من مهاجرهم البعيدة وزراء سابقون، وأساتذة جامعات، ومهندسون شباب كانوا حضورًا، أسرة نفيسة كانت حاضرة عبر بنات الوالد عبد الغني بابكر فغمرت روحانية النور البراق المكان- د. محمد خير الزبير- د. فتح العليم عبد الله- أستاذ أحمد المكي ادريس وعبد الرحيم الحاج ود. عبد الكريم علي الحاج- عبد الناصر حسن وأبو زيد الزبير، وعلي عبد الرحيم، وبشير حسين، وبدرية علي الحاج، وبدرية عبد العزيز، وفاطمة حسن وقيع الله، وبناتها الاعلاميات الرائعات.. ابراهيم خضر بشير.. وكل (بطان) السواقي.. ساقية كوكنجي- الشمبياب- ساقية علي أبو عجاج- ساقية فحل وود سكران.. كان اللقاء آسرًا.. سالت فيه مياه العيون، وتواصلت فيه الأرحام، وانعقدت فيه العزائم، ووضعت فيه التوجهات العريضة لبناء برنامج يعيدنا الى قوز العقيد والجروف إعمارًا لها وضخاً للخضرة في أوصالها التي شاخت بعد انحسار الفيضان عنها في مرحلة ما بعد سد مروي.. وكأن الله تعالى أراد أن يختبر قدرة هذه القرية على ترجمة اسمها الذي يعني (الخصوبة) في اللغة النوبية القديمة، واستشراق غد جديد بعزم أهلها في داخل الوطن وخارجه «3»ولكن فات علينا بسبب تشتت الغربة وسنين تطاولت، منذ أن خرجنا من القرية ذكر أسماء كثيرة لأهلنا وأحبتنا هناك، فقد طافت حول المكان بركات كثيرين اسهموا في نماء القرية ولم تأت في كلماتنا العجلى يوم اللقاء ومن هؤلاء الحاجة ست الجيل الطيب رائدة العمل الاجتماعي في القرية وسيدة الحقل والزرع المرحومة زينب محمد علي أبو سوار- أحمد المكي- عبد الرحيم الحاج- نمر عبد الرحيم- محمود محمد صالح- العم غاندي والعم قسم الله عبد الرحمن وغيرهم من بقي منهم ومن رحل منهم الى دار الخلود. من بعيد كانت هواتف السفير عبد المحمود عبد الحليم، والدكتور مامون عبد الحليم، وكان لبنات البلد الحضور الأنيق عبر الكلمة الرصينة للأستاذة بدرية عبد العزيز جدي ورؤيتها الثاقبة لمستقبل جديد نراه يأتي اخضرًا ويانعاً من وسط الشوك والركام،وعندها سيعود لقريتنا مرة أخرى رجع الدليب، وصوت الحليب، وغناء القمري والدباس، ورايات الختمية، وغناوي عبد الله ود عاشة بلال، وأحلام الشاعر العظيم الراحل الجيلي محمد صالح. «4»قرية الأركي تتجه لأن تمثل أنموذجاً قومياً للعودة إلى الريف كحالة حية ونابضة بالخير والحياة نحو جيل لا تبتلعه العاصمة وانما يرفدها هو بنخل ذي اكمام، وخير ذي انعام، وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة.