رأي: الفاضل أحمد المهدي المحامي إن التمسك بقيام الاستفتاء في موعدة المحدد نصاً، استهتار بما أنجز ومغامرة ستؤدي إلى خسارة فادحة يدفع ثمنها الجميع، وفيه إهمال لروح الاتفاق، لأن الاستفتاء المنظم المعد له جيداً بعد حسم جميع القضايا العالقة والمتعلقة هو الهدف، وليس الإستفتاء في ذاته، تلك القضايا والتي أهملها اتفاق نيفاشا بسبب أنه لم يكن في وارد طرفيه- كما نحسب- الانفصال أصلاً. وقد أحسن الدكتور لام أكول حين قال: إن نفاشا نظمت الوضع بعد الاستفتاء في حالة الوحدة، ولم تتعرض لتنظيم الأوضاع في حالة الانفصال. لن يصح تصور أعداء المؤتمر الوطني بأن الانفصال حتمي وإن صحت بعض مآخذهم- انطلاقاً من هذا العداء، لأن الوحدة للشعوب، أما الحكومات فإنها تجئ وتفنى وتظل الشعوب باقية تحصد ثمار قوتها واتحادها، ففي الاتحاد قوة للشعوب, وفي انقسامها ضعف وهوان. إن القحاف إذا اجتمعن فرامها*** بالكسر ذو بأس شديد أيد عزت فلم تكسر فإن هي بددت*** فالوهن والتكسير للمتبدد إن من حق الشعوب أن تقرر بحرية كيانها السياسي ونظامها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، هذه هي عناصر ومكونات تقرير المصير، وبما أن حق تقرير المصير مهما أطر يحتاج في وضع السودان الحالي إلى مراعاة خصوصية ظروفنا، ما دام المقصود استدامة السلام وتطوير العلاقة لأجل التعايش بصورة سلمية أفضل، لا يريد أحد، كما لا يريد المجتمع الدولي أن يتحول الصراع من حرب أهلية إلى حرب بين دولتين. المطلوب هو المحافظة على الأمن والسلم وليس تغيير شكل الصراع، لقد عاش هذا الشعب (كله) ظروفاً صعبة عانى خلالها شظف العيش وويلات الحرب والصراع على السلطة، والبغضاء والتدابر بين النخب السياسية، وقد أكد هذه المعاني الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مخاطبته لأهل السودان، حين قال في الاجتماع الطارئ عالي المستوى عن السودان الذي عقد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24/9/2010م، قال: كلنا نعلم بحجم المآسي التي عاني منها الشعب السوداني إبان الحرب بين الشمال والجنوب، مليونا قتلوا، ومليون إنسان تركوا في العراء بلا مأوى، مليون ازدحمت بهم مخيمات اللاجئين، مما أدى لزعزعة استقرار الإقليم بأسره، وموت المئات في دارفور صدم العالم، هذه هي أسطورة المأساة المروعة لشعب السودان، ذلك الماضي القميء الذي يجب ألاَّ يكون مستقبلاً للسودان؛ هذا ما دعاني منذ أن توليت السلطة للعمل لأجل السلام في السودان. كما قال: علينا أن نروج للكرامة وحقوق الإنسان في كل أنحاء السودان، لقد شعرت بنفسي بمرارة الظلم عندما زرت مخيمات اللاجئين في تشاد المكتظة بخمسة عشر ألف لاجئ أغلبهم من الأطفال، لقد كان ما رايته في ذلك المخيم قاصماً للفؤاد. لقد فقد الناس كل شيء، وبقي لهم فقط أن يقتاتوا من فتات الإغاثة.. لن أنسى أبداً هيئة ذلك الرجل وهو معلم سابق، حين جاءني وقال في بساطة: نحن نريد السلام، السيد نائب رئيس الجمهورية طه، السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية كير، الشعب السوداني يريد السلام كلنا حضرنا إلى هنا لأن العالم يريد سلاماً عادلاً ومستداماً في السودان، أريد أن أتحدث مباشرة إلى الشعب السوداني في الشمال والجنوب، في حياتكم واجهتم أهوالاً جمة وغير عادية، In your life you have faced extraordinary hardship ، وهناك فرصة الآن لحصاد مزايا السلام، مستقبل ينعم فيه الأطفال بالدراسة بدلاً من إضاعة الوقت بحثاً عن المياه، مستقبل تستطيع معه الأسر زراعة احتياجاتها، مستقبل جديد بعودة دولتهم لحظيرة المجتمع الدولي في ظل الاقتصاد العالمي المترابط؛ حيث يحظى أهل السودان بفرص السفر إلى الخارج وما يؤدي إليه ذلك من تحصيل علمي وتجارة والصناعات الصغيرة للمرأة، وفرصة للمصانع بأن تصدر منتجاتها ورفع مستوى المعيشة في المدن الكبيرة وأقاصي القرى. نعم يا سيادة الرئيس أوباما، هذا ما يريده المواطن السوداني وهذه بعض معاناة شعبنا. ما أردت أن أقوله هو أن هذا الشعب بعد كل هذا العناء والشقاء والتعب، هل يواصل اتحاده ويعمل على تعضيد وحدته بعد أن عرف الجميع كنه المشكلة ومسبباتها، وبعد أن فاضت خيرات باطن الأرض واستخرج البترول الذي طالما حلمنا به وعشنا (في انتظار البترول) لينعم به الجميع، بتنمية وعمران وبناء الوطن بكل ربوعه.. هل نسلك هذا الطريق ونقتسم ثروة باطن الأرض، ومياه النيل وفضائنا وموانئنا وكل الأصول القومية احتراماً لدماء من قضى في سبيل الوحدة أو في سبيل التنمية المتوازنة والحكم الذاتي وضد هيمنة المركز.. أم نقتسم البلاد ونتصارع على الحدود الوهمية ونستبدل مناطق التمازج بالجبهات العسكرية وما الصراع إلا من أجل البترول والثروة ؟ كما قال الشاعر: وما حب الديار شغفن قلبي *** ولكن حب من سكن الديارَا نحن نقول للمجتمع الدولي والرئيس أوباما خصوصاً إننا لن نتخلى عن لتر ولا خاتم من ثروتنا وحق جدودنا وأولادنا وأحفادنا، إن الثروة القومية: الماء والبترول والمعادن والسماء والفضاء، كلها لنا وطن للشمالي والجنوبي والغربي والشرقي وأبناء الوسط وأبناء المهجر. إنسان السودان بحدوده الحالية، وإذا كان هناك من لا يؤمن بأن الخير يعم والشر يخص، فهذه مشكلته، لقد صدق ياسر عرمان حين قال من على برنامج ما وراء الخبر بقناة الجزيرة: إن شعب الجنوب إذا اختار الانفصال فإن المشكلة ليست في الجنوب وإنما السبب هو المركز، ونقول لسيادته إن المركز ليس شعب السودان، والمركز لن يتضرر بقدر شعب السودان، والمركز أنت تقول عن حكومته أنها جاءت بالتزوير، والمركز أنت النائب الأول لرئيسه، والمركز أنت تحتل أكثر من ثلث مقاعده، المركز مجرد حكومة تروح وتجئ وعليكم أن تراعوا شعب السودان وأهل السودان، كما تعهدتم وأحسن شعب السودان الظن فيكم. الآن إذا كانت الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني يريدن أن يتخليا عن التزامهما بموجب اتفاق نيفاشا، والذي يقضي بقناعتهما بأن التنفيذ السلس والناجح لهذا الاتفاق يتوقف إلي حد كبير- على حشد أغلبية الشعب السوداني لدعمه. (والأغلبية الآن تريد الوحدة) والتزامهما بأن: وحدة السودان التي تقوم على الإرادة الحرة لشعبه والحكم الديمقراطي، والمساءلة والمساواة والاحترام، والعدالة لجميع مواطني السودان ستظل هي الأولوية للطرفين، وإنه من الممكن رد مظالم شعب جنوب السودان وتلبية طموحاته ضمن هذا الإطار. فإن من شأن ذلك أن يسقط شرعيتهما، ويطعن في وطنية المؤتمر الوطني، كما ويصيب شعبية الحركة الشعبية في مقتل، أيها الشريكان: لا تنسوا الشعب بينكم. ونفس ترى الدنيا رخيصة *** فليس تبالي أن تعيش وتسلما وكم قائل والحزن ملْ فؤاده *** أما نستطيع اليوم أن نتقدما فقلت له شمر، فأما منية *** نلاقي، وإما أن نجل ونكرما وإياك لا تيأس فما اليأس عادة *** لمن رام أن يرقى إلى المجد سلما قال تعالي: يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم. صدق الله العظيم . 28 الأنفال.