ما تسطره أقلام الكثرة الغالبة من المهمومين بشؤون الوطن، لا يجد الصدى الذي تستحقه، وخاصة من قبل الذين، يعنيهم الأمر في المقام الأول، سواء كانوا من الحكومة أو المعارضة، أوالفصيل الجديد، الذي يمارس الحكم من خندق المعارضة، ولكن العزاء أن الرأي العام السوداني، بمكوناته الشعبية، يجد في تلك المقالات الكثير من العزاء، لأنها تعبر عن رؤاه في السياسة والاجتماع والثقافة والاقتصاد، ولولا هذا الاحتفاء الشعبي بمقالات أصحاب الرأي، لما وجدوا ما يحفزهم على مواصلة العطاء في هذا الميدان.. ونظير ذلك ما يبدعه الشعراء من رؤى فنية للممارسة السياسية، تعبيراً عن مواقفهم، وتأكيداً لتضامنهم وانحيازهم لأهل الوجعة من البسطاء والمحرومين، الذين ما فتئت سنابك جيوش الحكام، خلال العصور، تدوسهم بلا رحمة، وتعاملهم بحسبانهم سقط متاع ويظل السياسيون على المدى، ينظرون إلى تلك القاعدة من المسحوقين نظرات استعلاء واستهانة.. فلا يملك الكتاب وأصحاب الرأي والشعراء إلا أن يعلنوا انحيازهم للوطن والمواطن البسيط.. وتعلو كلماتهم المخلصة الصادقة، على ضجيج تظاهرات العملاء والمأجورين.. وتسمو بتطلعات الناس لفضاءات رحيبة، تبعث في أرواحهم جذوة الحياة.. حين يبشر الشاعر المبدع بالغد الجميل الذي تنتصر فيه إرادة الوطن. وقتها كما عبر ود المكي سيدخل رجال لهم قامة النخل ليخطفوا العامرية من الرجال المهمين القتلة ويولد فجر الحرية ويلج الوطن من البوابة الواسعة رحابة الزمن الرائع. وما كان ذلك ليتم لولا تمرد الشعب على القيد ومغامرته الرائعة ورغبته في التضحية استشرافا للفجر الجديد: محور الكون ليس أنا، ليس نحن، ومن حقنا أن نموت ليولد شئ جميل لتنتفض العامرية من أسرها وتفيض المدائن من فقرها ويكون مسك الختام عندما يتحقق كل ذلك، وتنتصر الإرادة الشعبية، ونشهد ميلاد فجر جديد: تجلس العامرية بين وصيفاتها تحبل الأرض، تنجب جيلا جديدا تدخل الشمس في فلك السعد تدخل أرواحنا من جديد ! وهلموا بنا، بجناح الشعر نحلق في آفاق السحر وعلياء الإبداع في رفقة صيداح ملتاع قد عمد في نيران الجذب وهوم مسلوب الإدراك بواحات الإمتاع فاستقطر ذوب مشاعره شعراً يتوهج بالإشراق يتموسق بالنبض المحموم وأنفاس الأشواق ويجسد ما يتجلى في مرآة الروح صوراً تنسرب إلى الوجدان بلا استئذان.. فلنرهف السمع لمحمد المهدي المجذوب أمير شعراء السودان بلا منازع، وهو يقول: فإنْ يكن عملُ الأحزابِ بهتانا فلم يكن دمُنا االمسفوكُ بهتانا وكيف هان عليهم أنهم نَفَرٌ لا يحفلون بهذا الشعب إن هانا؟ (لو كنتُ من مازنٍ لم تستبح إبلي بنو اللقيطةِ من ذُهْل بنِ شيبانا) إني لأعلم أن الصدقَ مهلكةٌ فلنَلقَ يا نفسُ هولَ الصدقِ شجعانا أَوْرقْ بعودكَ ساقينا وغنِّ لنا (بانَ الخليطُ ولوطُووِعْتُ ما بانا) يا شعبُ! شعبيَ من ذلّ ومسكنةٍ وقد تحطّم أرواحاً وأبدانا لقد سعينا وما نُجزَى على عملٍ إلا كفافاً نُقاسيه وإهوانا لبّثْ قليلاً فعند الليلِ خابيةٌ وسوف نشرب حتى الموتِ أضغانا إن القيامةَ أشراطٌ وقد ظهرتْ وأرهفَ الصُّورُ في السودان آذانا