إن الإنسان في هذه الحياة ليس من السهل أن يعيش فيها بعمرين، إنما يعيش بعمر واحد وبالتالي قوته واحدة فمن المستحسن أن يعيش الإنسان مرتدياً الأخلاق الحميدة والسلوك الراقي ثوباً أنيقاً وملتفاً بالصدق والأمانة حتى يكون بعد ذلك مرتاح النفس، لأن الإنسان في هذه الدنيا ليست لديه مقدرة على إنجاز طموحاته وتحقيق أحلامه وأمنياته، لأن هناك القوة الإلهية أكبر منه وأكبر من إرادته في تحقيق أمنياته وأن تلك القوة الإلهية هي التي تسيره في هذه الدنيا لأنها مرحلة انتقال من هنا إلى هناك وقبل أن يرتحل إلى هناك عليه بالعمل الجيد والسلوك الطيب وأن يتعامل بالأخلاق النبيلة التي خلقت مع الإنسانية ويمزجها بالحب للآخرين والأعمال الصادقة في النفس، لأن الحب عنصر كبير للتعامل الإنساني في هذه الحياة وأن الحب هو أبو الشفقة، وشقيق الحنان لأن الحياة بدون حب وبدون حنان ليس لها طعم ولا رائحة، وبدون شك أن الحب للآخرين يدمث الأخلاق ويلطف الطباع بين المجتمعات الكبيرة والصغيرة، وكذلك لولا الحب لأكل الناس بعضهم بعضاً، وحقيقة أن الحب كالحاكم المستبد المفتري مثل فرعون في زمانه متمكن في النفوس البشرية إذا لم يعترضه العقل في ساعة دخوله قلب المحب، وتغلبت فيها عواطفه ووافقه أن لا يدخل القلب، ارتكب المحب أمراً يجر عليه الخراب والدمار إلى يوم الدين، وعلى الإنسان العاقل أن يتعقل في تعامله مع الآخرين لأن مرحلة الدنيا عمرها قصير، وأما المرحلة الثانية هي الأبدية التي يعمل لها ألف حساب. هذه المقدمة كتبتها لأن لها أسباباً ولها اعتباراً في حياة المجتمع، ففي غضون الأسبوع الفائت الذي توارى من بين خلف الحياة التي مضت من بين فجوات الأيام التي أصبحت ماضٍ لن يعود وإنما تجتره العقول مجرد اجترار، ومن خلال هذه الفترة الزمنية ذهبت إلى عيادة الطب البديل للعلاج السريع بشارع الصحافة شرق في تقاطع خمسة وثلاثين شارع محمد نجيب، وقد كان في صحبتي أصدقائي السيد/ خالد عبدالله والسيد/ معتز أبو عاقلة والسيد/ عوض والسيد/ إبراهيم ووجدنا العيادة مكتظة بالمرضى من رجال ونساء وأطفال وكانت العيادة تحت إدارة الدكتورة هويدا طمبل التي حجزت لي لمقابلة الطبيب، وطال انتظارنا لفترة طويلة والدكتور عماد الدين عبدالله صاحب عيادة الطب البديل وإلى ذلك الوقت المتأخر من عمر الليل لم يصل إلى أن انتهت مواعيد العيادة الزمنية، ولكن الدكتورة هويدا قدمت الاعتذار للمرضى وخففت عليهم بأن يعودوا غداً لمواصلة علاجهم ورجعنا أدراجنا وكل مريض يحمل مرضه داخل جسده وعدنا في اليوم التالي، وعندما جاء دوري للدخول على الطبيب علمت سبب غيابه وعدم تمكنه من الحضور إلى العيادة بالأمس، بأنه اعتقل وكان في الحراسة والسبب يرجع إلى أن لديه منزلاً في مربع واحد وأربعين استأجره منه شخص، وهذا الشخص بدوره أجره هو الآخر في الباطن لحبشية وافدة إلى السودان والدكتور طلب منزله من الشخص المؤجر له وهذا الشخص ذهب إلى الحبشية أن تخلي المنزل لأن صاحبه يريده لاستعماله الخاص، ولكن بكل جراءة وعدم فهم وعدم تعقل طلبت الحبشية المؤجرة في الباطن من الشخص المؤجر لها أن يدفع لها ستة ملايين جنيه خلو رجل حتى تخرج من المنزل، وطلبت خمسة أيام بدءاً من اليوم الذي استلمت فيه مبلغ الستة ملايين وتم الاتفاق على ذلك، والرجل أخطر الدكتور عماد وذهب بدوره ليستلم منزله ويرحل فيه على حسب حاجته إليه فلم يجد الحبشية فأغلق منزله بالمغلاق ورجع ليحضر أثاثات المنزل وقبل أن يصل فجأة جاءه أمر قبض واعتقل بمكتب الشرطة لأن الحبشية فتحت عليه بلاغاً وهذا سبب اعتقال الدكتور، وقد تأملت ذلك الوضع الصعب الذي لم يكن فيه السلوك المطلوب في الحياة، وحقيقة أن هناك أناساً مرماهم الخبث والحقد على الآخرين، ومن خلال ذلك العمل القبيح استطعت أن أتوصل إلى أن هناك شخصاً مسؤولاً وقف مع الوافدة هذه الوقفة المزرية والمخجلة لنفوس الشعب السوداني، لأن الحبشية ما أدراها بخلو المنزل وما أدراها بالتعدي على المنزل وأدراها بالمحاكم وما أدراها بالشرطة، وأن هذا المسؤول الذي وقف بجانب الأجنبية ضد ابن الوطن وصاحب الحق الذي كافح وناضل وشيد هذا المنزل وأخيراً يصل به المطاف بهذه الصورة المخجلة التي ليس فيها وطنية ولا فيها أخلاق سودانية وبدون شك أن الأيام تؤكد أن الضمائر الخربة تقف ضد التقدم وضد عمل الخير، وقد قال لي شخص كان مريضاً بالعيادة إن الخرطوم عاصمة السودان المواطن فيها إذا اشترى قطعة أرض يريد أن يشيدها ويسكن فيها لو ما أوقف فيها شخصاً يحرسها يجد جماعة يحتلوها احتلالاً قوياً وبحجة أنها ملكهم ويبرزوا الأوراق الثبوتية بأحقية ملكيتها، وهذه الحقيقة أكدت لنا قصة الحبشية مع المسؤول المختفي من خلفها، لأن سخرية القدر تعدم الأمانة من ضمائر هؤلاء لكي يضيعوا حقوق الآخرين، وحقيقة قد انقضى الزمن الذي ساد فيه الحق وتحكم في عقول الكائنات البشرية وأصبح هذا الزمن يقبض على زمام يسير به أهل الحقد وأصحاب المكر واللف والدوران، لأن شر الناس في هذه الحياة لا يقولون الحق، وأيضاً خير الناس في هذه الحياة لا يقولون الحق، لأن مجتمع اليوم أصبح مجتمع أشرار كالعنكبوت يغزل شبكته في وهلة قصيرة ويحاول أن يختبيء بنظراته القبيحة بين خروق الشبكة، وهؤلاء الفهم والتعقل لم يقسم لهم والأمر لله التواب الرحيم وغداً سأواصل بإذن الله.