اعتبر خبراء تصريحات وزير المالية بدر الدين محمود عن وضع دول خليجية لودائع في بنك السودان المركزي كمساعدات مالية - لم يفصح عن حجمها ولم يسمِ الدولة المقدمة لها - وإن كانت التوقعات ومعادلات المصالح ترجح أن تكون السعودية هي صاحبة الأموال.. الخبراء اعتبروا الودائع بوادر انعاش للاقتصاد وجاءت الخطوة نتيجة لفتح الحكومة لقنوات تواصل اقتصادية مع جهات خليجية تضمن تدفق الودائع، وزيادة المعروض من النقد الأجنبي، وتوقع الخبراء أن يقل الضغط على السوق الموازي لتوفير النقد مما يساهم في انخفاض سعر الدولار، ورهنوا إعفاء الديون بعدم التدخلات السياسية، وسبق أن أحدثت الوديعة المليارية من دولة قطر تأثيرات واضحة في المشهد الاقتصادي. ويرى عميد كلية العلوم الإدارية بالجامعة الوطنية د. عبد العظيم المهل أن إيداع مبالغ سيؤثر على ميزان المدفوعات وبالتالي يمكن تغطية عجزه البالغ 4 مليارات دولار، بالإضافة لتأثيره على سعر الصرف باعتبار أن بنك السودان سيدخل كبائع أو مشترٍ حسب حالة السوق، مما يودي إلى تركيز سعر الدولار، وتوقع المهل أن يصل سعر الدولار لستة جنيهات، وأردف سينخض التضخم من العشرينات إلى رقم أحادي، يدعم إنجاز المشروعات التنموية المختلفة التي تحتاج لعملات حرة لخطابات الضمان لتنفيذ المشاريع. ونوه عبد العظيم إلى أن الخيار الصفري يصب في مصلحة المواطن باعتبار أن نسبة الجمارك بين الدول العربية صفر، مما يسهل عملية انسياب السلع والخدمات فضلاً عن تشجيع الصادرات بين الدول، وزاد: «بالطبع سيكون خصماً على حكومة السودان، لأنها تفقد الإيرادات الواردة من الجمارك، وهي المكون الأساسي للإيرادات القومية وأيضاً سيكون خصماً على حظوظ أصحاب الصناعات السودانية»، وطالب المهل الحكومة بالتنازل عن الإيرادات الجمركية، وقطع بعدم وجود اتجاه لإعفاء الديون في الوقت الراهن. وتطابق رأي الأمين العام السابق لاتحاد الصرافات عبد المنعم نور الدين مع حديث المهل وأشار إلى أن كشف وزير المالية عن تدفقات مالية بخزانة المركزي جاء نتيجة لفتحه خطوطاً مع جهات تضمن له تدفق الودائع، واعتبر أن الأمر سيضع الاقتصاد في مأمن بعد تسلم ودائع المستثمرين، التي ستعمل على زيادة المعروض من النقد الأجنبي، ونوه نور في حديثه ل «آخر لحظة» إلى تغطيتها الطلب على النقد وفتح خطابات اعتماد بغرض استيراد السلع الضرورية والأساسية، ومدخلات الإنتاج والدواء ويقلل الضغط على السوق الموازي لتوفير النقد الأجنبي مما يساعد في انخفاض سعر العملة. وساق عبد المنعم دلالات تدفق النقد الأجنبي في شكل ودائع كونه يسهم في استقرار سعر الصرف وتشجيع الاستثمار ويسهل انسياب عملية التحاويل من وإلى السودان عبر جهاز المغتربين دون عناء، وأشار إلى وضع بنك السودان ضوابط تسهل من عمليات تدفق النقد باستلام تحاويل المغتربين بالعملة الأجنبية عبر القنوات الرسمية دون رسوم إضافية. لكن هناك مسألة ذات صلة وثيقة بتعافي الاقتصاد وهي التي تسعى إليها الحكومة والمتعلقة بإعفاء الديون الخارجية، حيث رهن نور الدين إعفاءها بالحوار وجلوس الدولة الدائنة دون تدخلات سياسية من الدول العظمى، والجانب الاقتصادي مبني على القروض، وفترة السماح والسداد، ويكون باتفاق الدولتين المعنيتين، وفي حالة تراكم أسعار الفائدة وطول فترة السداد تزيد المديونية، إضافة لأصل القرض، داعياً إلى تحسين العلاقات مع دول الجوار خاصة الدائنة. والملاحظ أن السودان ظل يعاني تدهور عملته المحلية مقابل العملات الأجنبية، بعد فقدان 75%من إنتاجه النفطي عقب انفصال دولة الجنوب في يوليو 2011، وظل الاقتصاد أسيراً لهيكل اقتصادي أحادي الجانب، حيث اعتمد في النمو الاقتصادي على القطاع الزراعي بشكل أساسي، ولكن حجم عائدات الصادرات لم يكن يتماشى مع احتياجات البلاد من منتجات النفط وتغطية الطلب المتزايد عليه، حيث كان السودان يستورد احتياجاته البترولية من الخارج الشيء الذي يكلف أموالاً طائلة، مما يضطر الدولة لبذل جهود كبيرة لتوفير التمويل اللازم، مما عمل على تراكم الديون الخارجية، وبالتالي عمّق من أزمة الاستثمار والنمو وتزايد جمود الاقتصاد وإنهاك الموارد وتعطيل مشروعات التنمية لعدم توفر النقد الأجنبي، إلى جانب ارتفاع تكلفة التمويل في حالات التسهيلات التي يصعب فيها الحصول على تمويل إلا لفترات قصيرة.