تابعت باهتمام خاص سلسلة الحلقات الحوارية التي نشرتها الزميلة (السوداني) مع السيد سلفاكير ميارديت والتي أجرتها معه الصحفية رفيدة ياسين التي أظهرت براعة ملحوظة تنبئ عن مستقبل باهرلها في دنيا الصحافة ، وقد شدّ انتباهي أنها استخدمت في إدارة حوارها مع السيد سلفاكير ما يسميه خبراء الصحافة بقالب الهرم المعتدل الذي يهئ فيه المحاوِر القارئ لموضوع الحوار وشخصيته والجو العام له ثم يتدرج في عرض الحوار من الأقل أهمية إلي الأكثر أهمية ويختتمه بأهم ما فيه من معلومات أو آراء أو أخبار . وهذا ما فعلته الزميلة رفيدة . وقد استطاعت بحنكة واضحة أن تصوب أسئلتها نحو استقصاء كل قضايا الشأن الجنوبي الذي تدعي الحركة الشعبية أنها تمثله وتتحدث نيابة عن أهله أجمعين ، فاستطاعت أن توغل برفق في أعماق شخصية النائب الأول المعروف بغموضه وشحه في الاسترسال في الأحاديث الصحفية ورفضه في أحيان كثيرة الإجابة عن أسئلة بعينها ، ولكنها غرفت كل ما لديه ولم تستبق شيئاً ، لذلك أثار هذا الحوار ما أثاره من جدل كثيف محلياً وإقليمياً ودولياً . ولقد كان أكثر ما أكسب وأضفى علي الحوار أهمية ومصداقية أنه كان موثقاً بتسجيل صوتي حسبما أشارت إلي ذلك الصحيفة منعاً وتجنباً لمحاولات النفي أو الاستدراك أو التصحيح التي قد ترد لاحقاً وتؤدي إلي إضعاف ما جاء في متن الحوار وتحدث تشوهات هنا وهناك ويكون أول الضحايا لهذه العملية الصحفي الذي اجري الحوار وكذلك الصحيفة مما يلحق الضرر بمصداقيتها وسمعتها . وقد حاولت جهات داخل الحركة نفي بعض ما جاء في الحوار علي رأسها وزير الإعلام بحكومة الجنوب ولكن (السوداني)كانت أشطر بتوثيقها للحوار. خلاصة الحوار الذي انتهت حلقاته بالأمس تشير إلى وجود خلافات عميقة داخل الحركة الشعبية قوامها الأساسي الخلاف بين الرجلين الأول والثاني في الحركة ، الأمر الذي ظلت الحركة تحاول اخفاءه ومداراته ولكن لم تفلح في ذلك والذي كان يدور همساً عن خلافات بين سلفاكير ونائبه مشار أصبح الآن جهراً بعد أن جرى تأكيده بلسان الرجل الأول الذي أفصح عن مآخذه الكثيرة علي نائبه والإشارة الى أن لديه طموحات وتطلعات لحكم الجنوب وأنه (بعض مرات بيشتغل براهو) . بعض اجابات السيد سلفاكير لم تخلُ من تناقضات مع مواقفه الفعلية والمعلنة والمثل الواضح لذلك قوله ( أنا ما انفصالي بالعكس أنا زول وحدوي لكن الناس ما بيفهموني ) ، ويعلم الجميع أنه قد أشهد الناس علي انفصاليته بصريح العبارة في مواضع ومناسبات عديدة فكيف نفهم وحدويته هذه التي يتحدث عنها فكيف يثبت السيد سلفا الشئ ونقيضه في نفس الوقت ويلومنا علي أننا لا نفهمه ؟ كيف تكون وحدوياً وانفصالياً في نفس الوقت ؟ هذا السؤال لم يستطع السيد سلفاكير الإجابة عليه مباشرة وإنما أجاب علي طريقة (أنا وأخوي الكاشف) حيث قال (يا هو رياك مشار انفصالي هو بنفسه أعلن انو انفصالي سنة 91 قال هو انفصالي ولمن جا الخرطوم هنا كان داير يفصل الجنوب عن الشمال ما داير وحدة واحنا كنا بنتكلم وقتها عن الوحدة ) .أما حديثه عن علاقات الدولة الجنوبية المرتقبة مع إسرائيل وتساؤله عن لماذا يخشى الشمال وجود إسرائيل في الجنوب ويسكت عن وجودها في مصر والأردن ، فيكشف عن تسطيح وتبسيط مخل لهذه المسألة، يتجاهل عن عمد حقائق وفوارق استراتيجية قائمة علي الأرض و الجغرافيا و التاريخ لا يمكن أن تغيب عن رجل الدولة بأي حال من الأحوال فالمقارنة هنا بين الحالتين اللتين أشار اليهما تخرج هذه الحقائق خارج سياقاتها وتختزلها بطريقة خاطئة ومجردة من النظرة الاستراتيجية ، إذ أنه نفى أن تكون إسرائيل عدوة للسودان لأنها ليست لديها حدود معه ، وأنها عدوة فقط للفلسطينيين مسيحيين ومسلمين وهو منطق نستغرب أن يصدر عن رجل مثله ربما يكون رئيساً لدولة جديدة بعد شهرين من الآن .